حذر تقرير استراتيجي خبير من تأثير الانقسام الفلسطيني القائم، والضعف العربي والإسلامي على مسار القضية الفلسطينية، مقللا من ''فرص نجاح الحوار الوطني'' المقرر استئنافه في القاهرة الشهر الجاري، ومن ''التوصل إلى اتفاق قريب في ظل بقاء المعطيات الراهنة''· قلل التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لعام 2008 الصادر حديثا عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، من ''إمكانية حدوث تغييرات جدية قبل انتهاء العام الحالي، استنادا إلى مسارات الأحداث والظروف الموضوعية والعوامل الفاعلة في المنطقة''· غير أن التقرير السنوي الرابع، والذي يأتي ضمن سلسلة تقارير سنوية تصب في السياق نفسه، يتوقف مطولا عند ''فشل سياسة إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في المنطقة، وإخفاق سياسات الحصار والاحتلال الإسرائيلي في كسر إرادة الشعب الفلسطيني، ووصول مسار التسوية السلمية إلى طريق مسدود، ونجاح تيار المقاومة في إفشال العدوان الإسرائيلي الواسع في السابع والعشرين من ديسمبر الماضي، وتقديمه نماذج بطولية ألهبت حماس الجماهير العربية والإسلامية، ودفعت باتجاه مزيد من التعاطف الشعبي العالمي''· ويرى التقرير أن ''ذلك كله يوحي بحالة مخاض تشهدها المنطقة، قد تنعكس إيجابا في المستقبل القريب على القضية الفلسطينية''، شريطة ''حسن التعامل مع العوامل المحركة للأحداث والفرص التي تتيحها''، محذرا في الوقت نفسه من ''الإفراط في التفاؤل''، قياسا بتجارب سابقة ''ضيّع فيها الفلسطينيون والعرب العديد من الفرص، بينما استطاع الخصوم والأعداء توظيف الظروف المستجدة لصالحهم''· وعالج التقرير الاستراتيجي، الذي حرره المدير العام للمركز محسن صالح وشارك في كتابته ثلة أساتذة متخصصين في القضية الفلسطينية خلال 2008 بالرصد والاستقراء والتحليل، وذلك بدراسة الأوضاع الداخلية، والمؤشرات السكانية والاقتصادية الفلسطينية، والأرض والمقدسات، والعلاقات الفلسطينية العربية والإسلامية والدولية، إضافة إلى الوضع الإسرائيلي وعمليات المقاومة ومسار التسوية، مشفوعاً بوثائق علمية وبعشرات الجداول والإحصائيات والرسوم التوضيحية، عبر 336 صفحة في ثمانية فصول· ووصف التقرير الوضع الفلسطيني الداخلي ب ''البوصلة المفقودة والشرعيات المنقوصة''، بسبب ''استمرار الانقسام وتكريسه بين حركتي ''فتح'' و''حماس'' وحكومتي رام اللهوغزة، الذي لم يكن مجرد صراع على السلطة، وإنما انعكاس لخلاف سياسي عميق، واختلاف بين رؤيتين في طريقة تناول المشروع الوطني، لم تتمكنا حتى الآن من التوافق على قضايا جوهرية مرتبطة بمساري التسوية والمقاومة، وبالاعتراف بإسرائيل وحقها في الأرض المحتلة عام ,1948 وقد يطول الأمر بانتظار أن تتوافق الرؤيتان أو أن يُحسم الأمر لأحدهما''، حسب رأي التقرير· وانتقد تقرير ''أوسلو'' حكومة سلام فياض في إدارة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، في ظل التنسيق الأمني مع إسرائيل، وفتح المجال أمام الجنرال الأمريكي كيث دايتون لما يسمى تطوير وبناء أجهزتها الأمنية، بما يتوافق واستحقاقات خريطة الطريق ومتطلبات الدور الأمني لإدارة الحكم الذاتي، فكفَّت يد الفلسطينيين ولاحقت المقاومة، لكنها لم تنجح في الحصول على أدنى تعهد من الإسرائيليين بكفّ أيديهم عن الاستيطان ومصادرة الأراضي والتهويد والاعتقالات والاغتيالات''· بينما ''وقعت حكومة إسماعيل هنية في قطاع غزة أسيرة بين الحصار والموت البطيء، أو السقوط والتهميش وربما الاجتثاث إذا ما قدّر لبرنامج أوسلو وخريطة الطريق العودة لإدارة القطاع''، في وقت هدف فيه ''الحصار إلى كسر الإرادة والتركيع، وفرض الشروط الإسرائيلية والأمريكية على الشعب الفلسطيني، فكان استمرار حماس في التسلح والإعداد لمواجهة الاجتياح الإسرائيلي، دليلا على إصرارها على الصمود وإنجاح خطّ المقاومة الذي تتبناه''· وأبرز التقرير أهمية ''صمود المقاومة وصلابة قيادتها، والتفاف الجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية وحتى العالمية معها، وانتصارها في معركة كسر الإرادات، من خلال إفشالها الهجوم الإسرائيلي، مقابل إيجاد حالة إحباط لدى الأعداء والخصوم من إمكانية إسقاط حماس واجتثاثها، والدفع باتجاه الحوار لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني''، رغم سقوط أكثر من 1300 شهيد فلسطيني، بينهم 417 طفل، و108 نساء، و120 مسن، و14 من العاملين في الطواقم الطبية، وبلغ عدد الجرحى ,5.450 نصفهم أطفال، فيما بلغ مجموع الشهداء الذين سقطوا العام الماضي برصاص قوات الاحتلال ونيرانه 910 فلسطيني، من بينهم 844 في قطاع غزة، و66 في الضفة الغربية بما في ذلك القدس، بينما قُتل 31 إسرائيليا نتيجة عمليات نفذها فلسطينيون، يضاف إليهم 13 إسرائيليا آخرين، بينهم 10 جنود، اعترفت ''إسرائيل'' بمقتلهم خلال العدوان على غزة في نهاية السنة· غير أن التقرير شكك في إنجاح الحوار الوطني في ظل بقاء عوامل تعطيل إنجاحه في المدى المنظور، ووسط اشتراطات إسرائيلية أمريكية وضعت سقفا مسبقا لنتائج الحوار بتلبية شرط اعتراف حماس بإسرائيل وبالاتفاقيات الموقعة سابقا معها، وبوقف ما سمته بالعنف، مما يستدعي ضرورة تقديم المصالح العليا للشعب الفلسطيني على الضغوط الخارجية والمصالح الشخصية والحزبية''· وقد أدى ''فقدان الاتجاه'' و''ضياع البوصلة'' في قيادة المسار الوطني الفلسطيني، وتعارض برنامجي وأسلوبي القيادة في رام اللهوغزة، إلى محصلة ''صفرية'' أو سلبية، جعلت ''المشروع الوطني الفلسطيني يدور حول ذاته''· وقد استفادت ''إسرائيل'' من استمرار الانقسام الفلسطيني في متابعة عدوانها على الشعب الفلسطيني، مع خرقها للتهدئة التي شهدها منتصف العام الماضي في قطاع غزة، واستمرت لمدة 6 أشهر، بين فصائل المقاومة وإسرائيل· وأورد التقرير مؤشرات رقمية عن الكيان المحتل، لافتا إلى ''تراجع منحنى الهجرة اليهودية إلى نحو 14 ألف عام ,2008 مقابل 20 ألف عام ,2007 بسبب نضوب مصادر الهجرة اليهودية، وتفاقم المشاكل الاقتصادية والأمنية فيها وتصاعد المقاومة''· وتوقف التقرير عند العجز العربي الرسمي، وعدم التأثير على مجريات أحداث القضية الفلسطينية، مما أثر على الخلافات بين ''فتح'' و''حماس''، وانعكس على ما يُعرف بمعسكري ''الاعتدال'' و''الممانعة''· وقد كانت ''مصر اللاعب الرئيسي في علاقتها بالقضية الفلسطينية خلال العام الماضي ومطلع العام الحالي، بينما شهد الموقف الأردني من القضية الفلسطينية تطورا مهما بإعادة الاتصالات، لأول مرة، مع قيادات في حركة ''حماس''، بعد انقطاع دام حوالي 9 أعوام (وذلك قبل أن تنقطع مجددا)، وحدوث تناغم بين الموقف الرسمي والشعبي من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والدعم المطلق للمقاومة في القطاع، مع استمرار دعم مسار التسوية واتباع سياسة دول الاعتدال العربي من السلطة الفلسطينية، وانتقاد ممارسات إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة، والمشاريع الإسرائيلية الداعية إلى ما أطلق عليه البديل الأردني على الصعيدين الرسمي والشعبي''· وبينما قادت سورية معسكر الممانعة الداعم للمقاومة الفلسطينية مقابل معسكر الاعتدال العربي، ووقفت المملكة العربية السعودية على الحياد بشأن الخلافات الفلسطينية الداخلية، مطالبة بتحقيق المصالحة، فقد استمرت معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وبقي هاجس التوطين حاضرا في تعامل مختلف الأطياف السياسية اللبنانية مع الملفين الفلسطيني والمخيمات من الزاوية الأمنية، مما أثر سلبا على الحالة الإنسانية للاجئين الفلسطينيين· وبينت التقارير أن موقف دول العالم الإسلامي لم يخرج عن إطار دعم القضية الفلسطينية عبر المواقف والتصريحات المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني، والرافضة للانتهاكات الإسرائيلية، بينما لعبت تركيا دورا بارزا في مساندة الشعب الفلسطيني، على المستويين الرسمي والشعبي· وواصلت إيران دعم حركة حماس، وحركات المقاومة، والتأكيد على شرعية المقاومة واستمرارها، والمطالبة برفع الحصار عن قطاع غزة، منتقدة الحكومة المصرية لاستمرارها في إغلاق معبر ''رفح''؛ مما أعاد التوتر الشديد في العلاقات بين البلدين، على حد وصف التقرير· ولكن ''الكيان المحتل لم ينجح بتحقيق أية اختراقات في العالم الإسلامي خلال فترة رصد التقرير''، فيما أظهر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مدى تفاعل الشعوب الإسلامية مع القضية الفلسطينية، وكانت التظاهرات والاعتصامات وحملات جمع التبرعات، مؤشرات على مركزية هذه القضية في الوجدان الإسلامي· في المقابل، دفعت عدة عوامل باتجاه وقوع القضية الفلسطينية في حالة ''ركود نسبي'' على المستوى الدولي، وخصوصا من جهة الولاياتالمتحدة، التي انشغلت بانتخابات الرئاسة وما رافقها من حملات انتخابية محمومة، كما انشغلت بالأزمة المالية الكبرى وتداعياتها على الاقتصاد الأمريكي والعالمي، واستنفدت الكثير من جهودها لحلحلة أوضاعها في المستنقعين العراقي والأفغاني· بينما شكل الانقسام الفلسطيني، وعدم مقدرة رئيس السلطة الوطنية محمود عباس على تقديم إجابات مقنعة بإمكانية التحدث باسم الفلسطينيين، والمضي قدما في عقد اتفاقيات تسوية يقبلها الفلسطينيون وتكون قابلة للتنفيذ، عنصرا سلبيا في عدم تشجّع الدول الكبرى والمؤثرة في الدفع الجاد بمسيرة التسوية، وفق التقرير· بيد أن اختراق الفلسطينيين لمعبر رفح، كما يشير التقرير وعملية تبادل الأسرى بين حزب الله وإسرائيل، وعمليات التهويد وهدم المنازل، والعدوان الإسرائيلي على القطاع، أعاد القضية إلى مستوى الاهتمام العالمي· واستبعد التقرير حدوث تغييرات جدية في السياسة الأمريكية للضغط على إسرائيل لتحصيل الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية، على الرغم من وجود لهجة أمريكية أكثر إيجابية، وأكثر تفهما للقضايا العربية والإسلامية· وواصلت السلطات الإسرائيلية تطبيق سياستها الهادفة لتهويد مدينة القدس بوتيرة متسارعة خلال عام ,2008 وبخاصة في البلدة القديمة، مع استمرار وتيرة الحفريات تحت المسجد الأقصى، التي تسببت طوال الأعوام الماضية، وما زالت، بانهيارات وتشققات لمباني البلدة القديمة، تزامناً مع سياسة ''التطهير العرقي'' ضد أهالي المدينة المقدسة· كما استمرت سلطات الاحتلال في بناء جدار الفصل العنصري والتوسع الاستيطاني، كما استمر نهب ''إسرائيل'' لمياه الضفة الغربية واستغلالها في تطوير مستوطناتها، في ظل توقعات بأن يعاني أكثر من 400 ألف فلسطيني، نقصا في المياه خلال الأعوام الخمسة المقبلة، بنحو 80 مليون متر مكعب في الماء الشروب، و20 مليون في الزراعة، و30 مليون في السياحة والصناعة، وأن يصل العجز المائي عام 2010 نحو 280 مليون متر مكعب، وهو ما يشير إلى أزمة مائية حقيقية تنتظر الفلسطينيين في الضفة والقطاع· ورجح التقرير استمرار تدهور الوضع الاقتصادي الفلسطيني لعدم وجود تغيرات حقيقية في السلوك الإسرائيلي تجاه إنهاء الاحتلال، وإنهاء الحصار والتحكم بالمعابر، أو التوقف عن استخدام الضغط الاقتصادي كوسيلة لكسر إرادة الشعب الفلسطيني، وفرض شروط تسوية سلمية ظالمة عليه، فضلا عن عدم رغبة الدول الكبرى، وخصوصا أمريكا في الضغط على ''إسرائيل'' لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني· واعتبر أن استمرار الحصار المفروض على قطاع غزة، والعدوان الإسرائيلي عليه في نهاية عام ,2008 يشكل أبرز العوامل التي أسهمت في تدهور الأوضاع الاقتصادية في الأراضي المحتلة· ولفت إلى أن أقطاع غزة تكبد خسائر اقتصادية مباشرة بقيمة 1.9 بليون دولار نتيجة العدوان الإسرائيلي، فيما بلغت الخسائر المباشرة في البنية التحتية حوالي 1.2 بليون دولا· عمان ''الجزائر نيوز'': محمد فرحان