حين تروي لك قصتها مع الزمن وتصوّر مدى جرعات المرارة التي شربتها من وقت إلى آخر، وتلاحظ كثرة الأحزان على وجهها التي تكاد أن تمحي ملامحها الأوراسية، تشعر أن قصتها مستمدة من إحدى المشاهد المسرحية أو المسلسلات التلفزيونية، وليس من الواقع المعيش الذي يكاد يفرض علينا سيناريوهاته المؤلمة، التي تدفعنا إما إلى الانتحار، أو الصبر، لكن يا له من صبر· شهلة بن مصباح تروي قصة ضياع ابنتها المفقودة إنها قصة امرأة الصمود والتحديّ، السيدة شهلة بن مصباح التي فقدت ابنتها بمستشفى بارني، وبالضبط بمصلحة الأطفال ببلدية حسين داي بالجزائر العاصمة· تعود أحداث هذه القضية إلى سنة ,1983 حيث أصيبت الرضيعة بوزكري رفيقة، التي كانت تبلغ حينها ثلاثة أشهر بحمى شديدة، الأمر الذي دفع بوالدتها الإلحاح على والدها السيد بوزكري محمد الصالح لنقلها إلى المستشفى، وهذا بعد أن اشتد قلقها لتدهور الحالة الصحية لرضيعتها، وبمجرد أن أخذها والداها إلى مصلحة الطفولة ببارني، أمر الطبيب الذي كشف على الرضيعة بوزكري رفيقة، من الأم أن تبقى مساعدة تمريض لدى ابنتها، وأخذت المريضة حينها تتلقى العلاج، ودامت مدة مكوث السيدة شهلة رفقة ابنتها بالمستشفى خمسة عشر يوما· وقالت السيدة شهلة ل ''الجزائر نيوز''، ''عند تواجد ابنتي بالمستشفى أخذت صحتها تتحسن يوما بعد يوم، غير أن رئيس المصلحة طلب مني أن تبقى بالمستشفى حتى تتعافى كليا من المرض''، وفي اليوم نفسه قدم زوج السيدة شهلة وطلب منها العودة للبيت بحجة أنه لا يوجد من يدير الأمور هناك، ووعدها أن يبقى هو إلى جانب ابنته، وطلب منها رئيس المصلحة بتواطؤ مع زوجها أن توقّع على إحدى الأوراق كون ابنتها سيتكفل المستشفى بعلاجها· وحسب ما أكدته السيدة شهلة أن الطبيب والمرافق له أخذا يتعاملان معها في تلك اللحظة على أنها مريضة نفسية أو مجنونة، غير أنه -وللأسف- في اليوم الموالي توجه محمد صالح بوزكري إلى بيته المتواجد بحي فايزي ببرج الكيفان، وأخبر زوجته بموت الرضيعة، وكان يحمل بين يديه ملابس ابنته ''قميص وقطع من القماش يلف بها الرضيعة''، حينها لم تصدق الأم ذلك ولم تقتنع بما يجري حولها، خاصة وأنها تركت ابنتها في حالة صحية حسنة، وفي تلك اللحظة طالبت السيدة شهلة من زوجها إحضار جثة رضيعتها لتتولى العائلة مراسيم الدفن، فقال لها -حسب ما صرحت به للجزائر نيوز- أنه لا يمكنه إحضار الجثة وستتكلف المؤسسة التي كان يعمل بها بالرويبة بدفنها، وأحيانا أخرى يقول لها المستشفى سيتولى ذلك· وبعد أكثر من سنة ألحت السيدة شهلة على زوجها إخبارها بالحقيقة، غير أنه طلقها وعادت رفقة ابنها الوحيد ''لزهر'' للعيش بخنشلة بالقرب من أقربائها وأهلها· ومازاد من يأس السيدة شهلة للبحث عن ابنتها هو وفاة طليقها في حادث مرور بسطيف، وعليه دفن السرّ معه، مؤكدة أنها لن أسامحه على ما فعله في حقها وحق فلتة كبدي· وحسب معلومات وصلتها صدفة من أحد أقربائه، فإنه قام بتسليم الرضيعة لإحدى العائلات بمستشفى بارني· العيش في ظل الإشاعات يحيي الأمل ويزيد من حرقة القلب ما زاد من تورم عيناي السيدة شهلة من كثرة البكاء وزاد من حرقة قلبها، تلك الإشاعات التي تسمعها من حين إلى آخر والدالة على أن ابنتها لا تزال على قيد الحياة، وأنها تبحث هي الأخرى عن عائلتها، فمثلا السنة الماضية وصلتها إشاعات بأنه وصلت إحدى الرسائل إلى العمارة حيث كانت تقطن السيدة شهلة بحي فايزي، مضمونها أن رفيقة بوزكري، ابنة شهلة، تبحث عن والديها بعد أن أخبرتها أمها بالتبني الحقيقة وهي على فراش الموت، فتوجهت الفتاة مباشرة إلى بيت والديها، وبعد أن سمعت السيدة شهلة ذلك جاءت من ولاية خنشلة لتتقصى الحقيقة، حيث توجهت مباشرة إلى البيت حيث كانت تقطن، وأكد لها أصحابه الجدد أن ابنتها حضرت أكثر من مرة للبحث عن عائلتها، لكن دون جدوى· ''حصة كل شيء ممكن''··· الأمل الوحيد بعد أن سمعت السيدة شهلة من أحد المصادر الموثوق بها أن ابنتها سبق وأن ظهرت بحصة ''كل شيء ممكن'' لمخرجها سعيد عولمي بالتلفزيون الجزائري، حيث قدمت نداء تبحث من خلاله عن والديها، الأمر الذي دفع ''الجزائر نيوز'' رفقة المعنية الذهاب إلى بيت السيدة مبروكة، التي أكدت لنا أنها شاهدت الفتاة بوزكري رفيقة بحصة كل شيء ممكن التي كان ينشطها المرحوم رياض، وسمعت قصتها على المباشر، الشيء الذي جعل معاناة الفتاة تخلد في ذاكرتها، وخلالها باشرت ''الجزائر نيوز'' بالاتصال بالمخرج سعيد عولمي وطلبت منه مساعدتها للبحث في الأرشيف، غير أنه اعتذر بسبب تواجده خارج الوطن، وطلب مناّ الاتصال بعد شهر رمضان حيث سيكون بأرض الوطن، ولكن -للأسف- اتصلت به ''الجزائر نيوز'' أكثر من مرة لكن لم يرد على المكالمة· أما السيدة شهلة فلا تزال تشد في وصال ''حصة كل شيء ممكن''، وترى فيها الأمل الوحيد الذي سيساعدها في إرجاع إبنتها وإطفاء نار قلبها المشتعلة مدة 27 سنة· مستشفى بارني بحسين داي يزوّر الحقائق!؟ توجهت ''الجزائر نيوز'' رفقة السيدة شهلة بن مصباح إلى مصلحة الحالة المدنية ببلدية برج الكيفان لاستخراج شهادة الميلاد، التي تحصلنا عليها بسهولة من طرف الإداريين هناك، وما أدهشنا أن شهادة الميلاد دليل قاطع على أن رفيقة بوزكري لا تزال على قيد الحياة عكس الوثيقة ''certificat de séjour'' الحاملة لرقمي 1129 و586 التي منحتها لنا مصلحة القبول بمستشفى بارني بحسين داي، التي تدل بدورها على وفاة رفيقة بوزكري يوم 22 / 08 / .1983 والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه القضية من تولى مراسيم الدفن!؟ ولماذا لم تتصل المصلحة المعنية ببارني بالحالة المدنية لبلدية حسين داي لتسجيل رفيقة بوزكري في سجل الوفيات؟ وما يثير الاستغراب في هذه القصة أن مصلحة الحالة المدنية لبرج الكيفان هي الأخرى لم تتلق أي إشعار بوفاة الرضيعة· مصلحة الحالة المدنية لحسين داي تكذّب ادعاءات مستشفى بارني بعد أن تحصلت السيدة بوزكري على وثيقة ''certificat de séjour'' توجهنا رفقتها إلى مكتب المصلحة المدنية ببلدية حسين داي التي أثبت لنا الإداري، بعد أن أطلعناه عن الأمر، أن رقم 1129 غير موجود تماما، وأن عدد الوفيات لم يصل إلى ذلك الرقم بمستشفى بارني سنة .1983 أما فيما يخص رقم ,586 فأكد لنا بعد اطلاعه على سجل الوفيات أنه يخص مولودة حديث الولادة ''mort née'' وكنيتها ''قرين'' وليس المدعوة رفيقة بوزكري· ضابط الحالة المدنية: التسريح بالدفن يتطلب شهادة الوفاة أكد لنا المدعو (ب· ع)، الذي رفض ذكر اسمه، وهو ضابط بالحالة المدنية بإحدى البلديات بالعاصمة، أن أي مستشفى بالجزائر تربطه علاقة عمل مشتركة بمصلحة الحالة المدنية المتواجدة ببلدية ما· وفيما يخص قضية الرضيعة بوزكري رفيقة، أكد أنها إذا توفيت بالمستشفى لا يمكن للعائلة أن تتولى الدفن إلاّ بتواجد وثيقة ''constat de décès'' أو''déclaration de Décès'' التي يقدمها الطبيب المختص كدليل على وفاة الشخص، حيث تمنح الوثيقة بدورها لمصلحة الحالة المدنية كإشعار بوفاة شخص ما، وخلالها تقدم مصلحة الحالة المدنية للمعنيين بالمتوفي وثيقة تسريح بالدفن، وأضاف المتحدث أنه إذا كان المتوفي من جنس ذكر، فإنه يكون مسجلا بسجل الخدمة الوطنية، وبالتالي يكون إشعار مباشر من طرفنا، وأكرر القول إن التسريح بالدفن يتطلب شهادة الوفاة· وتبقى القضية للمتابعة···