يعتبر سيزار آيرا 1949 cesar aira بالأرجنتين، أحد أشهر الكتاب لما بعد البووم أي جيل ''الكراك'' الذي له امتداد إلى غاية المكسيك، والذي يعني الكسر أو الإنكسار كي كسر موجة الواقعية السحرية التي يراها قد شاخت، من أشهر مؤلفاته موريرا، أيها المحتجزة رواية صينية، الأرنب وكيف تشبهت براهب، وغيرها من الأعمال· متى علمت أن الأرض لم تنتج ظل القمر؟ أشعر أنني أقول الصدق، لأول مرة، من خلال روايتي، حدث هذا عندما بلغت الخمسين سنة من العمر، أي عندما رويت الحكاية في ''عيد ميلاد'' هل يروق لك أن تصبح نسخة من كارلوس فونتيس، كاتب ومثقف مهم؟ ليس هذا في الواقع، لا أريد أن يحدث لي مثل ما حدث لأبطال روياتي، الكتابة هي إحدى الوسائل التي نتجنب من خلالها الأشياء الفظيعة في هذه الحياة، كما يبدو ذلك جليا في رواياتي، لا أتعامل، بعمق، مع عالم المثقفين، لقد أصبحت شخصا ''مهما''، وهذا ما يدفعني إلى البحث عن التهميش الذي طالما ثمنته لأنني أريد أن أصبح قناصا· فسر لنا سر نجاحك في إسبانيا؟ لم يدفعني هذا النجاح إلى الشعور بالتعالي، أعتقد أنه لم تكن هناك قراءة عميقة·· لا أدري·· لا زلت أشعر أنني أحد ممثلي الأقليات، خاصة عندما أعلم أن الأقليات مهتمة بالأدب، طبعا، أنا دائما، أغذي نزعة تميزي، لا أقرأ الكتاب المعاصرين، أخلط الكلاسيكيين بالشباب مثل واشنطن كوكورتو الذي يعد أحد ورثة أحد الكتاب الأرجنتين الذي طالما أعجبت به أنه Copi كوبي، أمارس مع هؤلاء الكتاب نوعا من مصّ الدماء لأنهم يملكون أهم شيء، ألا وهي الرغبة التي لا تضيع بمرور الزمن· هل تشعر أنك أرجنتيني؟ طبعا، مع كل ما يحمله من سلبيات مثل هذا الشعور، كالزهو بالنفس، لقد تحدثوا كثيرا عن هذا الشعوور المشترك بين الأرجنتينيين والكوبيين، أظن أن هذا عبارة عن مرض العظمة المبرر، قلت لأحد الكوبيين أن بورخس ولزاما ليما لم يتركا أي شيء لجارسيا ماركيز وخوان رولنو أو سيلا فيما يتعلق هذا الأدب المكتوب بالإسبانية، طبعا، كنت أمزح، ولكن غالبا ما يكون هناك شيء جدي وراء المزاح، لا أحد استطاع أن يكتب في القرن العشرين بتلك الروعة مثل بورخس ولزاما ليما· يقول بورخس في قاموسه الأدب اللاتينوأمريكي أن ألرت شزجء هو أعظم روائي عرفته أمريكا اللاتينية· طبعا ألرت كاتب عظيم رائع، لكن له حدوده، بينما أرى أن بورخس كاتبا مكتملا فَتَحْتَ إبطيه يرتكز الأدب الإسبانوأمريكي كله· كل الأدب الإسبانوأمريكي، برغم دفاعه المستميت عن النخب والأرستقراطية؟ كان هو الأدب، نفسه، إذا نظر إلى بورخس في سياق البيرونية (نسبة إلى بيرون)، نلاحظ أنه قام بنفي نفسه بنفسه، لأن النزعة البيرونية كانت نزعة شعبية، أما هو فقد كان وطنيا، فتعريفه للبيرونيين كان تعريفا دقيقا، كان يقول عنهم أنهم ليسوا طيبين، كما أنهم ليسوا شريرين، ولكن لا يمكن إصلاحهم· كيف أثرت فيك الأزمة الأرجنتينية؟ لقد أثر فيّ صيف 2001 المشؤوم أكثر مما كنت أنتظر، لم أكن محميا حماية حقيقية ضد الواقع الاجتماعي الذي عرفته بلادي، كنت أعتقد أن الأزمة أثرت فيّ ماديا، لكن لاحظت أنها أثرت عليّ في كل النواحي كل شيء مر؟ طبعا مر في راوية ''ضوء الأرجنتين'' قلت أن الحياة لا تقبل مسألة وجود حدود لها، هل للأدب حدود؟ لا أستطيع أن أكون على دراية حول كل ما كتبت لأنني لا أذكر التبريرات التي قدمتها في هذا الكتاب، ثم أنني، غالبا، ما أكتب الشيء الذي أراه يبدو رائعا كالموسيقى·· لكن عندما نفكر فيما نقول أظن أن للحياة حدودا مطلقة كالموت· أما الأدب، بإمكاننا أن نجعله هواية مثل ما أراه أنا، فالهوايات لا حدود لها على ما أظن· تتجه، دائما، نحو ما هو تجريدي وغرائبي، معتمدا على مراجع واقعية كحي الزهور مثلا في المدينة والشحاذة، هذا بالرغم من أن أدبك يتسم بالإستطراد والتعليل المسهب· صحيح، فهؤلاء الشحاذون الذين يفترشون الكرطون بإمكانهم أن يلعبوا دور المحفز الأساسي لم يلعب فعل الكتابة دوره في أخذي إلى حيث يريد· ما هي الخلفية الواقعية في ليالي الزهور؟ إنها ظاهرة حضرية لاحظتها في ذلك الحي، والتي قد تكون أنت، أيضا، لاحظتها، يتعلق الأمر بأولئك الذين يقدمون باقتطاع البيزا للزبائن، إنهم أشخاص يدعون إلى الفضول، فهم، دائما، في حالة حركة، يتبادلون مواقعهم بسرعة عندما يمتطون دراجاتهم النارية دون استعمال للخوذة إلخ·· من هنا، فكرت في خلق جو من النزاع فيما بينهم· مثل في حرب الجمبازيين· بالظبط، لكن هنا يتنافس صانعو البتزا بدل أصحاب كمال الأجسام الذين هم زبائن الجمبازيين· أين تعمل الآن؟ أنا أقرأ هذه الأيام كافكا، دائما أعيد قرائته، لكني، الآن، أقرأ الأعمال الكاملة التي أصدرتها جالاكسيا جوتتنبرغ، أعتبر طباعاتها أجود الطباعات على الإطلاق، أرى تلك الطبعة أجمل طبعة باللغة الإسبانية لكاتب معاصر، فالترجمات وتنظيم النصوص والملاحظات، كلها، شكلت استثناء فريدا من نوعه، أشتغل على هذا النحو لأنني بصدد كتابة إحدى المقدمات لعمل ستصدره ''ماندا دوري'' التي تجمع هذه الأيام كل كتابات كافكا· في مقالك حول أليخندرا بزرتاك، أكدت آمل أنني لست لوحدي الذي يحكم بمثل هذا الحكم أن العمل الفني لا يصبح عملا فنيا عند الانتهاء منه، فلا يبقى منه إلا سجل العملية الفنية، هل يمكن اعتبار كتبك على أنها أعمال مكتملة منتهية؟ نعم، لكن يسيطر، دائما، عليّ انطباع بأنني سأتخلى عنها في وقت مبكر، عليّ أن أصححها أكثر، أتركها تستريح، ثم العودة إليها، والاشتغال عليها، ولكن أعترف أن تلك الأعمال التي أنجزتها أرهقتني، ولهذا تركتها، ربما بسبب عدم التجمل بالصبر أو لغياب النقد الذاتي، ثم سرعان ما أتجه إلى شيء جديد· تتغذى رواياتك من السوريالية والدادية، هل هما مدرستان لا ينضب معينهما· بالطبع، في سينات كنا، كلنا، من محبي فرنسا، السوريالية، هنا كانت جد رائجة، خاصة كنظام للقراءة، وهذا ما أشرت إليه في مثالي حول بزارناك الموسوم بالسوريالية كآلة للقراءة، لم أجد أحسن منها كنظام للقراءة، لذا لازلت وفيا لها· في تلك الفترة نشر كورتازار سوريالتيه الخاصة به· كان في خضم تلك الأجواء، عندما بدأت أقرأ ''الحجلة'' لاحظت أن هناك عدة مقاطع تشبه عالم بزارناك، نعتبر، نحن الأرجنتينيون، كورتازار كمدرسة نتعلم عن خلالها بداية الكتابة، لكن عندما أخذنا نقرأ أعماله في سن النضج شعرنا بغيظ لأننا أدركنا أنه ليس كاتبا جيدا، كنت معجبا به، أما الآن، أعتبره كاتبا رديئا، أظن أن هذا هو سر الكتاب الذين نتخذهم كمدرسة لتعلم فنون الكتابة· هل لازلت تسجل آرائك في قاموسك··؟ آرائي حول كورتازار أصبحت أكثر تجذرا من ذي قبل، أراه عبارة عن زيف كامل، أعتقد أن أعمال أصحاب ''البووم'' Boom قد شاخت إن لم أقل أكثر، لم أهتم في قاموسي بالكتاب المعروفين كثيرا، لأنه من السهل الحصول على معلومات خاصة بهم، إهتممت، في قاموسي هذا، بالكتاب المهمشين، غير المعروفين، السريين· هل يستغني الأدب عن السياسة؟ هل يستغني القارئ عنها؟ لا أعتقد، غير أنه يجب أن نعرف ما الذي تعنيه السياسة، لم أهتم قط بهذه الموضوعات· هل تكتب اليومية؟ حملت معي دفتر اليوميات، كما يسميه الإسبان، لأسجل فيه كل القراءات أو أقوم بعملية مقارنة بين ما قرأته طوال العام، دخولي، خروجي.. غير أنني أقول أن رواياتي هي يومياتي الحقيقية، لأنني أسجل فيها كل ما يخطر على بالي، عن قصد أو عن غير قصد، لذا أسجل أكثر الأشياء التي حدثت لي في حياتي بدءً من شيء قد أكون رأيته في التلفزة وإلى غاية ما يحدث في عائلتي، الحوارات، القراءات إلخ··· هل نستطيع أن نسمي هذا الذي تقوم بتسجيله كسيرة ذاتية مسهبة مطردة، تجعل منه نبراسا تهتدي من خلاله في كتاباتك؟ بالضبط، إنها إحدى التقنيات التي استطعت من خلالها أن أبين أن لا شيء يمكننا التنبؤ به، حيث لا يعرف القارئ ما الذي سأقوله في الصفحة الموالية أو الفقرة التالية، لأني أنا، أيضا، لا أعرف ما الذي سيحدث فيما بعد، لا أعرف ما هي العناصر الغريبة التي ستدخل في عملية الخيال، لكن العمل الجيد هو عندما نستطيع أن نحول كل هذا إلى الواقع، لا يهمني التراكم السوريالي· تريد أن تقول أن أدبك يعتمد على الترجمات والتزوير؟ لا أقبل مثل هذه التهمة، رغم أن ما نكتبه ما هو إلا كلمات لا نعرف ماذا تعني هذه من تلك، فالكلمة المفتاح في عملي الخاص يجب أن تكون اختراع خوفا عن التهم الجاهزة، ينسى الكثير منا الأشياء، الأساسية كأهمية المنتوجات التقليدية، الفرح الزهو· في رواية ''ألف قطرة'' تحدثت عن لص أبقى لوحة فنية في بيته لمدة سنتين، ما هي اللوحة التي لا تمل من النظر إليها؟ لا أعتقد، من خلال هذا السؤال النمطي، أنك تريد أن تقول ما هي اللوحة التي نجت من الحريق، أو ما هي الكتاب الذي يؤدي إلى جزيرة مهجورة، أحسن جواب على سؤالك هذا، تجده لدى كوكتو الذي قال أن حريق اللوفر أنقذ النار، ربما قد أصبح كلاسيكيا وأنقذ لاجاكوندا، لكني أعلم أن المتعة تكمن في عكس ما أقوله، أي في التنوع كالقول بأن مكتبة ما حملتني إلى جزيرة مهجورة كمكتبة بورخس حيث كل ما تريده هناك موجود· سمعت عنك أنك كاتب مطنب، ما رأيك يا دكتور آيرا في هذا الكلام؟ أكتب قليلا، نصف ورقة على الأكثر، ثم أغلق الدفتر، ثم أعود للقراءة التي أستغرق فيها أكبر مدة زمنية من وقتي، غير أنني أقول أن نصف الورقة هذه أكتبها كل يوم ولا أدري فيما إذا كانت ستبدو جميلة أو رديئة، أقول بهذا النحو في الكتابة يستطيع الواحد منا أن ينتشر بشكل منتظم، هذا هو رأيي، ورأي الدكتور، أيضا، كما يقول فلويير الدكتور آيرا هو آنا وآنا هو الدكتور آيرا· ترجمة من الإسبانية: يوسف بوطاروق