بعيدا عن هول ما تشهده العاصمة من أعمال شغب وغلق للطرقات وإشعال للعجلات من أجل الظفر بسكن، بعيدا عن قوائم المستفيدين من سكنات اجتماعية تضمن العيش الكريم، وبعيدا عن فضائح مؤسسات الدولة والاختلاسات التي تفجر كل يوم هنا وهناك تقدر بالملايير من الدينارات، يقبع المشردون في صمت رهيب، موزعين على مختلف شوارع وأزقة العاصمة. الظاهرة معروفة لدى العام والخاص، غير أن الجديد فيها هو تأقلم هؤلاء المشردون مع الطبيعة، فرغم البرد القارس الذي نعيشه في الآونة الأخيرة تزامنا مع فصل الشتاء، تمكن هؤلاء من فرض وجودهم في مساحات صارت مقترنة بصور التشرد ومضاجع لمن لم يجد مسكنا يقيه حر الصيف وبرد الشتاء. من افتراش الكارطون إلى تحويله إلى شبه غرفة صغيرة لا تتسع سوى للأجسام النحيلة التي تسكنه، الكل اهتدى إلى الفكرة التي عممت بينهم. ''الجزائر نيوز'' ضبطت ساعتها في حدود منتصف الليل وتنقلت في الزيارة الخاطفة التي قام بها وزير التضامن الوطني ليلة الأربعاء إلى الخميس ونقلت عديد الشهادات للمشردين الذين يئسوا من مسؤولين لا يلتفتون لهم سوى بمنحهم بطانيات وعشاء دافئ لبضع أيام لا أكثر. نقطة البداية كانت من شارع ديدوش مراد الذي يعد من أهم الشوارع التي تأوي وتكثر فيها حركية المشردين ليل نهار. أول من التقينا بهم كن نسوة تموقعن بالقرب من مسجد الرحمة افترشن الكرطون وغطين أجسادهن بالكرطون ملفوف بالبلاستيك عل وعسى يقيهن من بعض البرد الذي كان يتسلل إليهن... اقتربنا من امرأة تبلغ من العمر حوالي 40 سنة لها بنتان وولد، وحسب ما رددته إحدى المسعفات الاجتماعيات، فإنها قد تكون ضحية إرهاب. المرأة رفضت أي مساعدة، كما أصرت على رفض ديار الرحمة التي قالت إنها تتكفل بنا ليومين وترمينا في الشارع من جديد، مطالبة مثلها مثل من يحرق ويثير أعمال شغب بحقها في العيش الكريم هي وأولادها. من جهة أخرى، وجهت إحدى الفتيات صرخة في وجه الوزير رافضة مساعدة الدولة التي - كما تقول - جاءت متأخرة بقولها ''حتى دورك باش تفكرتنا الدولة وين كانت من قبل.. اخطوني خلوني لا أريد لا تعليما ولا تكوينا'' كانت تتكلم بفصاحة وتستعمل كلمات حتى باللغة الفرنسية.. المهم أنها رفضت الرحيل إلى جانب العديد ممن رددن دعوة الوزير. متشرد ومتشردة من غرب البلاد تزوجا وهما مشردين، لا ندري إن كانا يملكان عقد زواج أم لا، غير أنهما قبلا دعوة الوزير وتوجها إلى الحافلة المخصصة لجمع المشردين ولا ندري إن كان مجاملة أو عن قناعة. تابعنا جولتنا مع وزير يستجدي المشردين مرافقته إلى مراكز الضيافة المؤقتة، وصولا إلى شارع أول نوفمبر أين التقينا بنوع آخر من المشردين، قدموا من كل حدب وصوب للبحث عن لقمة العيش ''عبد الغاني'' من ولاية قسنطينة قال إنه يعمل بناء بإحدى الورشات الموجودة بواد السمار، رفض هو الآخر الانتقال إلى بيوت الرحمة بحجة أنه يعمل في النهار وأن هذا المكان ما هو إلا مضجع مؤقت. الرحلة استمرت إلى باب الوادي أين كانت آخر محطة تمكن خلالها السعيد بركات من جمع أكثر من 30 مشردا يأكلون ويبيتون، وبعدها إما يرحلون إلى ولاياتهم أو يهربون كما جرت العادة. وزير التضامن وخلال الندوة الصحفية التي نشطها في ساعة متأخرة من الليل، أكد أن الوزارة لا يسعها تقديم الكثير عدا التكفل المؤقت بالمشردين في مراكز قال إنها تسع الكثير وتصل قدرتها إلى 1571 سرير موزعة على 76 مركزا عبر التراب الوطني. وفي وقت اعترف الوزير بغياب إحصائيات دقيقة حول المشردين، قال إن الوزارة بصدد بحث سبل لمعالجة هذه الظاهرة الاجتماعية التي تثقل كاهل الدولة وتشوه صورة المجتمع الجزائري. كما كشف الوزير أن الحملة التي تنظمها وزارة التضامن للتكفل بالمشردين في فصل الشتاء والتي انطلقت في 15 سبتمبر سمحت بالتكفل بأزيد من 450 شخص منهم 136 امرأة و 19 طفلا.