لما ذاع صيت ألفا بلوندي، واشتهر بأغنية ''القدس'' (1986)، حيث يردّد: ''أحبّك يا قدس·· أنت ملتقى الديانات·· ورمز الإخاء''، اعتقد البعض أن المغني نفسه لا يبحث عن أكثر من التشبث بموضة ''الالتزام''، ويدافع عنها، من أجل كسب ودّ الآخرين، مدركا وقعها على نفوس الزنوج إجمالا، وبني جلدته الإيفواريين خصوصا· اُتهم بلوندي بالركض خلف الموضة وتحميل أغانيه كلمات زائدة، خصوصا الأغنية الشهيرة، التي لاقت رواجا، الموسومة ''الابارتاي نازية'' (1985) حيث شبّه نظام الأبارتاي، بجنوب إفريقيا سنوات الثمانينيات بما جرى في ألمانيا إبان الحقبة النازية مطلع الأربعينيات من القرن الماضي· لكن المغني بقي ثابتا، صامدا، غير عابئ بما يدور، في الكواليس، من انطباعات وأحكام آنية، متشبثا بالخط الذي انطلق منه ومعلنا تواصله مع الأفكار والقناعات التي رسّخها الأب الروحي لموسيقى الريغي بوب مارلي (1945-1981)· بعد مرور أكثر من خمس وعشرون سنة، تكررت أحداث مماثلة، وبرز ألفا بلوندي (اسمه الحقيقي سيدو كوني)، مجددا، على الواجهة، ودعا، قبل أيام قليلة، بصفة علنية، الرئيس المنتهية ولايته لوران غباغو، بالتنحي عن السّلطة· موقف يكشف عن اتزان في الرؤية، وعي وفهم لضروريات الراهن من أجل تجنيب البلد الانزلاق في دواليب حرب أهلية جديدة، مع العلم أن ألفا بلوندي وقف وصفق ودعم، في وقت سابق، حملة لوران غباغو الانتخابية· موقف ينبع ربما من رغبة صاحب ''أس·أو·أس حرب قبليّة'' إبعاد كوت ديفوار عن شبح الفوضى، حياة المنعرجات، بشاعة الموت وبرك الدم التي وصفها وغاص في بربريتها الروائي أحمدو كوروما (1927-2003)، في رواية ''الله ليست مضطرا'' (2000) أو ''الله ليست مضطرا أن يكون عادلا في جميع القضايا الدنيويّة''، حيث يحكي فظاعة الحرب التي تورط فيها الصّغير ''إبراهيما''، اليتيم، الذي يسافر، من كوت ديفوار إلى ليبيريا، بحثا عن خالته، للاحتماء لديها، قبل أن يصادف، في الطريق، الزنديق يعقوبا، الذي يرسم له حياة ترف، ويملأ عقله وعودا من ماس ومرمر، ويورطه في حرب أهلية، ويجنده على جبهة قتال، غير معنٍ بها، ويجد نفسه محملا بكلاشينكوف تزن أكثر منه· مع ذلك، ينجو ''إبراهيما'' من الحرب ومن الموت وبشاعة الهمجية البشرية ويفكر في العودة إلى أبيدجان، ويرسم له الروائي احمدو كوروما مسارا ولكن القدر يخطف كوروما قبل أن يتم الجزء الثاني من الرواية الذي كان من المفترض أن يحمل عنوان ''لما نرفض نقول لا''· ويبقى ''إبراهيما''، في الوسط، ينتظر إشارة للتحرك· فهل سيعود إلى أبيدجان·· إلى شوارع الأناناس، خليج الصباحات الدافئة، حيوية الليل الاستوائي، على وقع الحفلات غير منتهية، والرقص على إيقاع ''كوبي ديكالي''، ويلتقي ألفا بلوندي في حي ''تراش فيل''، وسط المدينة، ويعيدان معا ترديد ''بريغادي ساباري''؟ أما جرارات الموت والخراب، التي تقبع على بعد خطوتين من أسوار المدينة، ستسبق القدر وتهبه جواز سفر عاجل إلى المنفى؟