أمام انعدام بلاتوهات النقاش على قناة التلفزيون الجزائري توجهت كل أنظار الجزائريات والجزائريين صوب القنوات الفضائية الناطقة بالعربية بوجه خاص، لكن المثير أن هذه القنوات كشفت هي الأخرى عن عجزها وحدودها، عندما راحت تراهن على أسماء تفتقر إلى الصدقية والكفاءة في التشريح والتحليل والافتقار المهول إلى المعطيات الحية والمعلومات الحقيقية حول جوهر الاحتجاجات التي اندلعت في عدة مدن جزائرية، في الغرب والوسط والشرق وحول خلفياتها ودلالاتها وإمكانيات توجهاتها، لقد لجأت قناة الجزيرة باستثناء مراقب جاد، وهو السوسيولوجي عبد الناصر جابي، إلى أسماء معظمهم من الإسلاميين الذين فقدوا زمام المبادرة وأصبحوا بمرور الوقت على هامش ما يجري على الساحة الاجتماعية والسياسية في الجزائر، فما الذي يمكن أن يقترحه شخص غير فاعل، مثل بن محمد الذي غاب لأكثر من عقد عن الساحة السياسية، بحيث لم يعد بقدرته على إنتاج سوى صيغ كلامية تتستر باللفظية الإسلاموية الشعبوية، إنه عاجز ليس فقط عن تقديم القراءة المضيئة للمشهد السياسي والاجتماعي بل يساهم من خلال انحسار النظر لديه في التضليل السياسي والتعمية الإعلامية، وهذا الأمر ينطبق كذلك على ضيف الجزيرة الوزير الإخواني السابق السيد بن قرينة، وعلى الشيخ عباسي مدني الزعيم السابق لحزب جبهة الانقاذ المحظور الذي تمكنت منه الشيخوخة، واختار المنفى في قطر، فحتى رسالته الحاثة على التضامن وفعل الخير كانت تفتقد إلى فهم ما يجري في الجزائر من أحداث·· ولم تلجأ الجزيرة وحدها إلى مثل هؤلاء المحللين البعيدين عن حقيقة ما يحدث، بل جارتها في ذلك قناة ناشئة مثل فرانس ,24 وهي المعروفة عادة بجديتها في اختيار وانتقاء ضيوفها، بحيث دعت إلى بلاتوها موظفا سابقا في السفارة الجزائرية بليبيا، وهو من حركة رشاد (السيد زيطوط) سبق وأن استهلكته من قبل قنوات خليجية، وكشف من خلال تحليلات ليس فقط عن انحسار النظر، بل عن جهل فظيع ببواطن الأمور السياسية الجزائرية وبالواقع الجزائري وتطوراته وتناقضاته·· كيف يمكن لشخص يفتقر إلى مؤهلات فكرية وسياسية جديرة بالاحترام، وبمتغيب عن الجزائر لأكثر من عقدين بكاملهما أن يقدم قراءة لما يحدث من حراك على الساحة الجزائرية؟! كيف نفسر مثل هذا التلميع لمثل هؤلاء ''المحللين'' من قبل فضائيات يعرف عليها الجدية والنزوع نحو المهنية؟! هل تقف وراء مثل هذا التوجه والخيارات دوافع إيديولوجية أم قصور مهني أم نزعة انتقامية آنية لا يمكن أن تعود بالإحترام والتقدير على مثل هذه القنوات·· إن الأمر يدعو مثل هذه القنوات إذا ما أرادت الاحتفاظ بصدقيتها ليس فقط في الجزائر بل خارجها إلى إعادة النظر في هكذا سلوكات، فالحقيقة تبقى في نهاية المطاف هي السيدة وهي المنتصرة···