يستمر الاحتفال برأس السنة الأمازيغية في العديد من مناطق الوطن، دون أن يدرك الكثيرون معنى الاحتفالية التي تتميز بمجموعة من الطقوس والعادات المتوارثة. من أجل تبسيط الرؤية وتفسيرها ووضعها في سياقها التاريخي، نظمت جمعية الأوراس بباتنة يوما دراسيا أشرف عليه مجموعة من الباحثين المتخصصين في العلوم الإنسانية. أحيت جمعية أوراس للثقافة والعلوم الإنسانية بباتنة في أجواء بهيجة، كما تم تقديم بالمناسبة وصلات غنائية من التراث المحلي تخللتها قراءات شعرية شاوية للشاعر الأوراسي بزالة يونس. ألقى الدكتور بوروبة من كلية الآداب بجامعة الحاج لخضر بباتنة كمدخل للتظاهرة التي جاءت تحت عنوان ''سنة جديدة .. حضارة تأبى الزوال'' محاضرة بعنوان ''من بقايا الوثنية أو الإحيائية بالأوراس''، تطرق فيها بإسهاب إلى بعض العادات المتوارثة منذ آلاف السنين بالمنطقة والتي يعتقد إلى حد الآن بأنها من تقاليد الأجداد ''لكنها في حقيقة الأمر مخلفات للمرحلة الإحيائية التي مرت بها كل البشرية''. إذا كانت هذه العادة في نظر كل الأسر والأمهات جزءا لا يتجزأ من مراسم الزواج حسب التقاليد الجزائرية فإنها في الواقع، يقول الدكتور بوروبة، ''ذبح أو قربان جزئي في اعتقاد الأولين الذين استبدلوا الذبيحة بنبات أحمر كإيحاء للون الدم حماية للعروس من العين والأرواح الشريرة''. واستدل المحاضر بأمثلة أخرى كوضع سكين صغير تحت وسادة الطفل الصغير لوقايته من العين والحسد وكذا مختلف أنواع الأذى أو زيارة بعض الكهوف والمغارات ووضع الشموع والبخور للتبرك بها أو طلبا لتحقيق بعض الأمنيات كالزواج والنجاح أو الاعتقاد بأن جمع سبعة ألسنة من أضاحي عيد الأضحى المبارك وتقديمها للطفل الأخرس أو الذي تأخر في الكلام ليأكلها بعد نضجها كفيلة بإرجاع حاسة النطق له. تلك العادات وغيرها التي وإن ظلت تلقى رواجا كبيرا بين الأمهات والأجداد، يضيف المحاضر، ''هي كلها خرافات من بقايا الاحيائية وقد حان الوقت للتخلص منها''، ملحا على ضرورة فتح المجال للرؤى العلمية. فكل هذه المعتقدات والعادات، يقول السيد بوروبة، مقرونة في الذاكرة الشعبية بمقولة ''عندما كانت الطبيعة تتحدث'' التي كثيرا ما كان المسنون يتفوهون بها ''كلما تعلق الأمر بالحديث أو ممارسة إحدى هذه الطقوس التي لا تمت بصلة لا لعاداتنا أو تعاليم الدين الإسلامي الحنيف بل وتدخل في باب الشعوذة''. من جهته، تطرق الباحث محمد مرداسي إلى التقويم الأمازيغي وأهم التواريخ في السنة الفلاحية ليتحدث بعدها عن العادات التي ما زالت تمارسها الأسر بمنطقة الأوراس كلما حل رأس السنة الأمازيغية أو يناير. كما تحدث الأستاذ مرداسي عن تمسك المرأة إلى حد الآن بمناطق عدة من الأوراس بالكثير من العادات التي كانت تمارسها الأمهات والجدات منذ آلاف السنين في مثل هذه المناسبة، ومن هذه العادات الخروج إلى المناطق الجبلية في صبيحة أول يوم من يناير لإحضار النباتات العطرية والطبية ونثرها فوق أسطح المنازل أو تعليقها في المداخل تفاؤلا بسنة خضراء أو الامتناع عن الإعارة أو نسج الصوف أو الزرابي في هذا اليوم الذي يعتبر عيدا وموعدا للفرح وزيارة الأقارب، كان اليوم الدراسي مناسبة للكثيرين لمعرفة دواعي وأسباب الاحتفال بعيد يناير وكذا العادات والتقاليد المرافقة له لاسيما بالمناطق الجبلية.