على الرغم من أن حادثة تفجير أنبوب الغاز باتجاه الأردن وإسرائيل قد يكون فعلا منعزلا عن الحركة الاحتجاجية المطالبة برحيل الرئيس حسني مبارك، إلا أنها تأتي كعنصر يضاف إلى الأزمة، وفي غير صالح المتظاهرين بكل تأكيد· الملاحظة الأولى أنها تصب في محاولة تعفين الأزمة التي انطلقت يوم الأربعاء على ظهور الجِمال والخيول في ميدان التحرير وفي العديد من المدن المصرية· وهو نوع جديد من القمع المفبرك من النظام، سواء أكانت حكومة شفيق هي التي أشرفت على تنظيمه أم أنه من تدبير القوى النائمة في خدمة النظام التي لا تتحكم فيها مؤسسات الدولة الرسمية· يضاف إلى ذلك تلك العملية التي حدثت بسيناء، والمتمثلة فيما يشبه العملية العسكرية في استخدامها للسلاح الثقيل· هذا إلى جانب عمليات متفرقة تمثلت في استعمال الأسلحة النارية، من طرف قناصة تابعين لمباحث أمن الدولة أو مأجورين من بعض رجال الأعمال وغيرهم ممن لهم مصلحة في بقاء النظام كما هو· الملاحظة الثانية أن السلطات المصرية لجأت إلى نظرية المؤامرة الخارجية· جاء ذلك أول مرة على لسان اللواء عمر سليمان، نائب الرئيس الجديد، ورئيس المخابرات السابق، الذي يحسن جيدا التعامل مع مثل هذه النظريات· ومن الواضح أن عمر سليمان يقصد، حسب قرينة ما تقوم به قناة الجزيرة، دولة قطر، أولا ثم إيران بعد ذلك· ومن السهل جدا توجيه الاتهام لإيران بعد تصريحات عديدة تنسب إلى قادته عن تشجيع استمرار الثورة والدعوة إلى قيام دولة إسلامية في كل من تونس ومصر على قياس الثورة الإسلامية في إيران· ومع اتهام السلطات المصرية جهة خارجية في تفجير أنبوب الغاز تكتمل نظرية المؤامرة الخارجية التي تهدف إلى زعزعة استقرار مصر· ولم يكتف عمر سليمان باتهام جهات أجنبية بل قرن ذلك بتشابك مجموعة من الأجندات الداخلية لبعض الأحزاب والتنظيمات السياسية في مصر ومنهم بالخصوص حركة الإخوان المسلمين· ونلاحظ أن هذه الحركة وجدت نفسها، منذ أيام، في موقف دفاعي· وفي هذا الإطار وحده يمكن قراءة مختلف تصريحات بعض قادتها، الذين اضطروا إلى التأكيد على أنهم لا ينوون السيطرة على الحكم ويتعهدون بعدم تقديم مرشح في الانتخابات الرئاسية القادمة· ومع تطور الأحداث إلى عمليات إرهابية من قبيل تفجير أنبوب الغاز، وجد الإخوان المسلمون أن التهمة تقترب أكثر فأكثر، فعمدوا إلى محاولة تنظيم هجوم مضاد، في شكل رسائل وإشاعات، عبر مواقعهم في شبكة الأنترنت، مفادها أن النظام نفسه هو من يقف وراءها· ومن جملة ما جاء فيها أن شهود عيان أكدوا أن الهجوم على أنبوب الغاز كان نتيجة قصف من الجو قامت به طائرة استطلاع مصرية· الملاحظة الثالثة أنه أصبح من اليسير على الحكومة المصرية إقناع الجيش بأن الأزمة لم تعد تقتصر على إلحاق الضرر بالإقتصاد المصري فقط، ولكنها أصبحت تهدد الأمن القومي، وأي تهديد للأمن القومي أكبر من استعمال أسلحة ثقيلة في الهجوم على ممتلكات الدولة، ومن السهل أيضا تلفيق خيوط التشابك بين الأجندات الداخلية وبين هذه العمليات ثم بينها وبين حركة الشباب المتظاهرين· والذي نعتقد أن لا تتوقف الأمور عند هذا الحد، في الساعات والأيام القادمة، إذا ما بقي الجيش على الحياد أسبوعا آخر، وواصل الوفاء بالتزامه في حماية المتظاهرين وهم يستعدون لخوض أسبوع الصمود· من المتوقع أن يتخذ هذا الأسبوع تسميتين: الأولى: أسبوع الصمود ضد مبارك ونظامه، والثانية أسبوع التعفين إلى أبعد ما يتحمّله الوضع من حدود· ذلك أن تعفن الوضع هو المرحلة الوحيدة التي من شأنها أن تخرج الجيش عن دوره المحرج، ومن شأنه أن تدفع بجزء من المعتصمين إلى تغيير رأيهم· وليس من المستبعد أن يلجأ النظام إلى تنظيم وتأطير هذا التعفن مع استعمال خطاب، من مثل المؤامرة الأجنبية، وساعتها تصبح حرية الرأي والتعبير مسألة ثانوية· ويمكن قياس ذلك على ما وقع في عدد من الدول، حيث رحبت فيها النخب بتدخل ثقيل للجيش خوفا من انفلات الأوضاع ووصولها إلى الحرب الأهلية· والذي نعتقده، بناء على ذلك، أن الحركة الثورية تمر بأكثر لحظاتها حرجا، إذ عليها أن تواجه محاولة التعفين وما ينتج عنه، وعليها أن تواجه إصرار النظام على البقاء مهما كلف الأمر، وعليها أن تواجه موقفا مغايرا محتملا للجيش يختلف جذريا عما هو عليه لحد الآن· كل هذا في وقت لا نزال نعتقد معه أنها ثورة في منتصف الطريق·