أسبوعان فقط لم يعد فيه هناك شيء اسمه المتحف المصري، ولا الجامعة الأمريكية، لا مجمع المصالح الحكومية، ولا مقر جامعة الدول العربية ولا حتى فندق النيل هيلتون· أسبوعان فقط كانا كافيين لأن يختصرا ميدان التحرير، شوارع هدى شعراوي، محمد محمود البسيوني وشارع طلعت حرب وشارع التحرير وشارع الفلكي وشارع القصر العيني، وأن يختصر ميادين طلعت حرب، والشهيد عبد المنعم رياض· في ميدان التحرير صرخ ملايين العاصميين بأعلى صوتهم في صوت حسني مبارك ''إرحل'' بكل اللغات· في ميدان التحرير، سالت دماء المصريين، ولطخت لافتاتهم، واختلطت بحبر شعاراتهم، ''مش حنمشي هو يمشي''· في ميدان التحرير، وقف المصريون على اختلاف مشاربهم، واستطاع المصري البسيط أن يجمع كل أطياف السياسة من اليساري إلى الإخواني على كلمة واحدة ''إرحل''· في ميدان التحرير، اعتصم المصريون، وأبدعوا لوحات تشكيلية رائعة بالأسود والأحمر، ورسموا مصر بكل الأشكال الممكنة· في ميدان التحرير، نام المصريون، أكلوا الفول المدمس والطعمية، واقتسموا الأرض متكئين على دبابة· في ميدان التحرير أنشأ المصريون سوقا، ومستشفى وصيدليات متنقلة، وجريدة· في ميدان التحرير صلى المصريون جمعة الغضب وأقاموا قداسه· في ميدان التحرير سارت أم خلف تابوت ابنها الشهيد وزغردت في جنازة النظام· وفي ميدان التحرير تزوج شاب بشابة وقضيا ليلة العمر فيها، كي ينجبا ثورة واسما جديدا لميدان لخص كل قاهرة المعز· ألم يقل محمود درويش إنه ''عندما يستيقظ المخيم تسقط المدن القديمة؟''