يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا قال بعض العلماء ''كلُّ جارحةٍ من جوارح الإنسان لها عبادة''، فعبادة العين أن تَغُضَ بصركَ عن محارم الله وأن تنظرَ بها إلى ملكوت السماوات والأرض مفكراً ومتعظاً، الأذن لها عبادة، اليد لها عبادة، أما عبادة القلب فهي الذِكر، ففي كل جارحةٍ من جوارح الإنسان عبادة مؤقتة والذِكر عبودية القلب واللسان وهي غير مؤقتة، عبادة القلب الذِكر لذلك ربنا عزّ وجل قال: إنني أنا الله لآ إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري· أيها الأخوة الأحباب··· الذِكرُ فضل عظيم، من أُعطيه اتصل، ومن مُنعه عُزل، من أُعطيَّ الذِكرَ اتصلَّ بالله عزّ وجل ومن مُنعه عُزل وبعد عن الله، وهو قوت القلوب التي متى فارقها صارت الأجساد لها قبوراً·· القلب دون ذِكرٍ لله عزّ وجل، ميتٌ في ميت، الذِكرُ عِمارة الديار·· داركَ لا تحيا إلا بذكر الله فإذا انعدمَ منها الذِكرُ أصبحت داراً ميتةً خربة تسكنها الخفافيش والشياطين، الذِكر سلاح المؤمن الذي يقاتل به شياطين الإنس والجن فإذا خلا من سلاحه أصبحَ عُرضةً للقتلِ من قِبل قطاع الطرق، بالذكر تطفئ حريق الشوق إلى الله عزّ وجل، بالذِكرِ يكون الدواء لقلبكَ اللهفان وتكون السعادة وتذهب الشقاوة· إنَّ ذِكرَ اللهِ حياةٌ للقلوب والله سبحانه وتعالى يقول: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب يقول عليه الصلاة والسلام: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ وَيُسْمَعُ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْكُمْ : أي ثلاثة أجيال: (تسمعون) = جيلُ الصحابة· و(يسمع منكم) = جيلُ التابعين (وَيُسْمَعُ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْكُمْ ) = جيلُ تابعي التابعين· هذه الأجيال كانَ فيها الإسلام نقيّاً، فالحسن البصري رحمه الله تعالى كانَ يقول: تَفقدّوا الحلاوة في ثلاثةِ أشياء·· في الصلاة وفي الذِكرِ وفي قراءة القرآن فإن وجدتم وجدتم وإن لم تجدوا حلاوةً في الذِكرِ والصلاة وتلاوة القرآن فاعلموا أنَّ البابَ مُغلق· أحياناً الإنسان يشعر أنَّ هناكَ حِجاباً بينه وبينَ الله، يشعر أنَّ أبواب السماء مُغلّقةٌ في وجهه، يفتح القرآن ويقرأ لا يشعر بشيء أبداً، يجلس ليذكر لا يشعر بشيء، يقوم ليصلي لا يشعر بشيء··· معنى ذلك أنَّ البابَ مُغلق، لماذا أُغلقَ البابُ في وجهه لِعلةٍ في عمله· فالمؤمن متبصّر، هؤلاء الذين يصلّون ويقرأون القرآن ولا يعرفون ما إذا كانَ قلبهم متصلاً أو مقطوعاً هؤلاءِ على هامشِ الحياة، لذلك·· سيدنا عمر قال: تعاهد قلبك· يعني الذي لا يملك الحس المرهف أن يشعر يقول لكَ اليوم أنكرت قلبي، اليوم شعرتُ أن صلاتي لا طعمَ لها اليوم قرأتُ القرآن فلم أشعر بحلاوة تلاوته، هذا الذي أحسَّ على قلبه وشعرَ بقربه هذا إنسان حيّ، أمّا الذي غفلَ عن الله عزّ وجل فاستوت غفلته مع صحوته·· يعني هو لم يصحو حتى يشعر أنه غَفل·· غفلَ مستمراً الإنسان ليس له حق أن يُهمل قلبه·· يقول لكَ أنا أُصلي والحمد لله، أنا مُسلم عقيدتي صحيحة·· شيء جميل لكن هذا القلب ألا ينبغي أن يكونَ حيّاً، ألا ينبغي أن يكونَ مُقبلاً، ألا ينبغي أن يكونَ مُحبّاً ألا ينبغي أن يمتلئ مشاعر نبيلة من خوفٍ إلى حبٍ إلى تعظيمٍ · فالذي يهمل قلبه ويعيشَ على هامش الحياة هذا أغفلَ جانباً كبيراً جداً من الدين· إذاً: مقياس القرب: حلاوة الذِكرِ، حلاوة الصلاة، وحلاوة تلاوة القرآن· هذا مقياس فإذا كان الباب مغلقاً معناها في حِجاب، معناها الله عزّ وجل أغلقَ في وجهكَ الباب، لأنه ليسَ راضٍ عن عملك· ابحث في الخلل، ابحث في الزلل، ابحث في الانحراف، في التقصير · بالذِكرِ يصرعُ العبدُ الشيطان كما يصرعُ الشيطان أهلَ الغفلةِ والنسيان· الشيطان إما أن تصرعه بالذِكرِ وإما أن يصرعكَ بالغفلة فأنتَ بين ذاكرٍ أو غافل، تصرعُ الشيطان بذكركَ لله عزّ وجل ويصرعكَ الشيطان بغفلتكَ عن الله عزّ وجل· الذِكرُ روح الأعمال الصالحة، العمل الصالح دون ذكر ميت، والإنسان إذا ماتَ قلبه وعَمِلَ عملاً صالحاً أغلب الظن أنه يتجه بهذا العمل إلى إرضاء الناس يقع في النِفاق، فإذا عَمِلَ عملاً صالحاً ولم يشكره الناس عليه تألم وضجر، وطلبَ واستجدى منهم المديح، استجداء المديح علامةٌ خطيرةٌ على موت القلب· إذا خلا العملُ من الذِكرِ كان كالجسد الذي لا روحَ فيه · أرق نفسك بنفسك وتداوى الطب البديل وإذا مرضت فهو يشفيك لذلك فإن الله عز جاهه وعظم شأنه وتقدست أسماؤه هو الذي يملك الشفاء ولا غيره يملك ذلك، لذا فلننظر إلى الهادي البشير والسراج المنير عليه أفضل الصلوات وهو يعلمنا هذا الدرس العملي، والذي يصفه لنا حب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنس بن مالك رضي الله عنه·· فقد ثبت في صحيح البخاري ''أن عبد العزيز قال دخلت أنا وثابت على أنس بن مالك، فقال ثابت: يا أبا هريرة اشتكيت! فقال أنس ألا أرقيك برقية رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال بلى· قال: اللهم رب الناس، مذهب الباس أشف أنت الشافي، لاشافي ''لا أنت شفاء لا يغادر سقما''· كل هذا يريد (صلى الله عليه وسلم) أن يجنبنا أن نقع في الشرك فكيف به لو انه عاش زماننا هذا والذي كثر فيه الذين يقرأون الكف ويقرؤون الفنجان، ويقرأون الحظ الذي لا تخلو منه مجلة تحت مسمى الأبراج، والضرب في الرمل وقراءة الودع، والاستعانة بالجن المسلم كما يدعي البعض، والتبرك بمن في القبور وسؤالهم، وطلب المدد منهم والذبح لغير الله· لم يعش (صلى الله عليه وسلم) كل هذا في زماننا ولكن حذرنا أن نرجم أو نتكلم بالغيب وحذرنا أن نذهب إلى العرافين والكهنة ومن يعمل عملهم من السحرة والمشعوذين وغيرهم ممن يكذب لأن أعمال هؤلاء جميعا مبنية، على الكذب، وقد قال (صلى الله عليه وسلم)'' من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد (صلى الله عليه وسلم)'' لذا فإن كل من أتى هؤلاء فقد صدقهم بما يقولون· لمن كان له قلب هذا القرآن عجيب هذا القرآن عجيب، بعض الصحابة تُليت عليه بعض آيات القرآن فنقلته من الوثنية إلى التوحيد، ومن الشرك بالله إلى عبادة رب الأرباب سبحانه وتعالى في آيات يسيرة· هذا القرآن موعظة رب العالمين وكلام إله الأولين والآخرين، ما قرأه عبد إلا تيسرت له الهداية عند قراءته، ولذلك قال الله في كتابه: ''ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مذكر''· الأستاذ أبو طه أنس منيب سليم بيدي هل هناك من يريد الذكرى؟ هل هناك من يريد العظة الكاملة والموعظة السامية؟ هذا كتابنا· ولذلك - أحبتي في الله - ما أدمن قلب، ولا أدمن عبد على تلاوة القرآن، وجعل القرآن معه إذا لم يكن حافظا يتلوه آناء الليل وآناء النهار إلا رق قلبه من خشية الله تبارك وتعالى· ومن الأسباب التي تعين على رقة القلب وإنابته إلى الله تبارك وتعالى تذكر الآخرة، أن يتذكر العبد أنه إلى الله صائر· أن يتذكر أن لكل بداية نهاية، وأنه ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار· فإذا تذكر الإنسان أن الحياة زائلة وأن المتاع فإن وأنها غرور حائل دعاه - والله - ذلك إلى أن يحتقر الدنيا ويقبل على ربها إقبال المنيب الصادق وعندها يرق قلبه· ومن نظر إلى القبور ونظر إلى أحوال أهلها انكسر قلبه، وكان قلبه أبرأ ما يكون من القسوة ومن الغرور والعياذ بالله· ولذلك لن تجد إنسان يحافظ على زيارة القبور مع التفكر والتأمل والتدبر، إذ يرى فيها الأباء والأمهات والإخوان والأخوات، والأصحاب والأحباب، والإخوان والخلان· يرى منازلهم ويتذكر أنه قريب سيكون بينهم وأنه جيران بعضهم لبعض قد انقطع التزاور بينهم مع الجيرة· وأنهم قد يتدانى القبران وبينهما كما بين السماء والأرض نعيما وجحيما· ما تذكر عبد هذه المنازل التي ندب النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى ذكرها إلا رق قلبها من خشية الله تبارك وتعالى· ولا وقف على شفير قبر فرءاه محفورا فهيأ نفسه أن لو كان صاحب ذلك القبر، ولا وقف على شفير قبر فرءا صاحبه يدلى فيه فسأل نفسه إلى ماذا يغلق؟ وعى من يُغلق؟ وعلى أي شيء يُغلق؟ أيغلق على مطيع أم عاصي؟ أيغلق على جحيم أم على نعيم؟ فلا إله إلا الله هو العالم بأحوالهم وهو الحكم العدل الذي يفصل بينهم· ما نظر عبد هذه النظرات ولا استجاشت في نفسه هذه التأملات إلا اهتز القلب من خشية الله وانفطر هيبة لله تبارك وتعالى، وأقبل على الله إلى الله تبارك وتعالى إقبال صدق وإنابة وإخبات· إن من الشعر لحكمة فقل للعيونِ الرمدِ للشمسِ أعينٍ تراها بحقٍ في مغيبٍ ومشرقِ وسامح عيونا أطفئَ اللهُ نورَها بأبصارِها لا تستفيقُ ولا تعي السنة منهاجنا قال حبيبنا محمد (صلى الله عليه وسلم): ''إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سأله رجل فقال يا رسول الله أستأذن على أمي، فقال نعم قال الرجل إني معها في البيت، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) استأذن عليها فقال الرجل إني خادمها، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) استأذن عليها أتحب أن تراها عريانة قال لا قال فاستأذن عليها'' (موطأ الإمام مالك) قرآننا شفاؤنا قال الله تعالى: ''وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ'' (سورة هود الآية 78)· الله قريب مجيب ''اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني، ودنياي، وأهلي، ومالي، اللهم أستر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، و عن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي'' (آمين يا قريب يا مجيب)·