القذافي لا يريد أن يخرج من حياة الليبيين ومن حياتنا أيضا·· وعلي عبد الله صالح كذلك لا يريد أن يترك اليمنيين الطيبين في حالهم·· هذان الرجلان أمرهما غريب ·· البشر والشجر والحيوان والماء والهواء·· كلهم يقولون لهما ارحلا واذهبا إلى الجحيم·· لكنهما باقيان يسكنان في شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد الأولى·· وفي أحلامنا كذلك·· على كل أمرهما انتهى مادام السلطان الأكحل في البيت الأبيض قد طلب منهما الرحيل وقال قولته الشهيرة عليهما أن يرحلا دون إبطاء·· القذافي لا يريد أن يسمع وأحيانا يثير أعصابنا بتدخلاته المتعنطزة·· ولكنه في الحقيقة أثار فينا مرحا منقطع النظير بأغنيته الشهيرة ''زنفة·· زنفة'' التي يرددها الأطفال· أما علي عبدالله صالح، فقد قال إن ما يحدث في العالم العربي تتم إدارته من أمريكا وفي مكتب خاص بالبيت الأبيض·· ولما حمّر له الأمريكان العين تراجع عن كلامه كأنه لم يقل شيئا·· واليمنيون من أطيب الناس·· وقد أثارت فيّ دموع تلك الشابة اليمنية الجميلة وهي حامل وتقول لا أريد أن يخرج ابني إلى الوجود وعلي عبدالله صالح رئيسا·· هذا الرجل والقذافي أيضا لا يحشمان على نفسيهما·· العالم كله يطالبهما بالرحيل·· ولكنهما مصران على البقاء·· بل الأدهى والأمرّ أن القذافي زنفة·· زنفة يقول إن شعبه يحبه وإن المظاهرات التي تخرج في الشوارع الليبية هي دعم له وإن الناس ربما لا تفهم لغة الليبيين· هذا عام الشعوب·· وقد رأينا في تونس ومصر أن لا شيء يقف في وجه إرادة الشعب·· وعاد ذلك الشعار القديم الذي ضمنه الشاعر الشابي في قصيدته التي درسناها في المقرر الدراسي قديما (لست أدري هل مازالت في مقرر مدرسة بن بوزيد الفاشلة) عادت (إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر) عادت بأجمل ما يكون الشعر وبأجمل ما تكون الكلمة·· ليس كما درّسوها لنا بذلك المنهاج التافه·· الفكرة العامة والأفكار الأساسية·· والأسلوب المتماسك·· واللغة الجزلة·· عادت بوقعها الحماسي الذي يجعل الكلمة فعلا قويا وفاعلة واختيار بين الموت والحياة· القذافي وعلي عبد الله صالح لا يمكنهما أن يفهما أنه فعلا إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن تلبي الأقدار كلها هذه الإرادة·· ولا يمكنهما كذلك أن الشعب قد ملّ منهما ومن وجودهما ومن صورهما وخطبهما وكل ما له علاقة بهما·· وقديما قال الأجداد ''الحر بالغمزة والبرهوش بالدبزة'' وهذين الرجلين الأكيد أنهما لا يفهمان إلا بالدبزة·· دبزة الشعب الحرّ الذي يكتب هذه الأيام أروع وأجمل صفحات التاريخ·