إغتيال صاحب رواية ''نجل الفقير -''1954 رفقة خمسة من زملائه المفتشين في التعليم، وهم مارسيل باسي وروبير أيمار وعلي حموتان وماكس مارشون وصالح ولد عودية رميا بالرصاص قبل ثلاثة أيام من إعلان وقف إطلاق النار بين الجيش الفرنسي وجيش التحرير الوطني، دفعت أحد المثقفين الفرنسيين، وهو جول روي، لإعلان تبرئه الصريح من مقترفي الجريمة وسادتهم قائلا: ''... لقد سبق لي أن قاسمتهم (يقصد مقترفي الجريمة) خيرات الأرض والسماء، غير أن هذا لن يتكرر أبدا، فنحن لم نولد من بطن أم واحدة''. أما عن اغتيال الكاتب الجزائري، فقد تساءل بخصوصه: ''لماذا مولود فرعون؟ ليجيب بالقول: ''لأنه تجرأ على ممارسة الكتابة بعدما امتلك موهبتها.. لأنه امتلك شجاعة رواية طفولته الفقيرة ورواية بلده وتعلقه بأصدقائه ووطنه. وهذه الحرية تمثل وحدها إهانة غير مسموح بها واستفزازا في حق سادة ال (OAS)''، وإلا فما الذي يمكن أن تشكله هيئة من قبيل ''المراكز الاجتماعية التربوية (CSE)'' والمنشأة في أكتوبر 1955 بأمر من جاك سوستال، رئيس الحكومة، كجزء ذي صبغة اجتماعية واقتصادية من جملة التدابير العسكرية الرامية لوضع حد لحرب التحرير وخنق الثورة الجزائرية، في حد ذاتها؟ الواقع أنه كما كتبت صاحبة فكرة تأسيس ''المراكز الاجتماعية التربوية''، جيرمان تيون: ''لقد قتل، بل اغتيل هذا الكاتب الذي يعد أحد أكبر كتاب الجزائر ليس بمحض الصدفة أو عن خطأ، ولكن بعد الإشارة إليه بالاسم. وهو مايعني أنه اغتيل بصفة تفضيلية...''. ولتسليط الضوء على ظروف الاغتيال وتفاصيل العملية، يشير الكاتب الحاج سيد أحمد دندان، المدعو سي رشيد، مفتش التربية السابق وأحد زملاء مولود فرعون في المراكز الاجتماعية التربوية (CSE) بأن الفضل في تأسيس هذه المراكز يعود للسيدة جرمان تيلون المتخصصة في الإثنولوجيا، وإحدى قادة المقاومة ضد الاحتلال الألماني لفرنسا. وتتضمن السيرة العملية لهذه السيدة توليها عضوية اللجنة الدولية ضد نظام المحتشدات التابعة للأمم المتحدة، كما كانت في 1957 أحد أعضاء لجنة مكلفة ''بالتحقيق حول التعذيب في مراكز الاعتقال والسجون في الجزائر''. وأما مهمة هذه المراكز فتتمثل في ''توفير التعليم والرعاية الصحية والتكوين؛ حيث عملت على تزويد الفئات المحرومة والأمية بنسبة 80 بالمائة في ,1955 وغير القادرة على الاستفادة من التعليم، بالأطر المتخصصة في تقنيات التربية الأساسية أو القاعدية، وبالخصوص التربية في مجال الزراعة، وخدمة الرعاية الصحية والاجتماعية المكيفة. وكان المعلمون المجندون في المراكز من الفرنسيين والجزائريين متطوعين. ويقول السيد أحمد دندان أنه''... وباعتبار وعيهم بالدور التربوي والاجتماعي الذي يقومون به، فقد نجحوا في اكتساب ثقة عامة الشعب بواسطة برنامج طموح، كسبوا من خلاله ثقة عامة الشعب، وكذا جبهة التحرير الوطني التي وجدت في هذه المراكز الدواء والمأوى والغطاء. وهو السبب الذي استرعى انتباه الأقدام السوداء وعناصر ال oas ومن والاهم من اليمين الفرنسي، وأثار عداوتهم وحقدهم، خاصة وهم الذين كانوا يعملون على المحافظة على الجزائر الفرنسية بكل الوسائل ابتداء بإثارة الرعب من قبل أولئك العسكريين المحترفين الملأى قلوبهم الحقد الأعمى والناجين في معظمهم من حرب الهند الصينية''. ولهذه الأسباب وغيرها، يضيف الكاتب أحمد دندان أن الجنرال ماسو قام في 10 مارس 1957 بنشر تعليمة سرية تستهدف تفكيك هذه المراكز، حيث جرى في 1957 اعتقال 16 فردا من ال 120 فرد الذين كانت تتشكل منهم أسرة المراكز التربوية والاجتماعية: خمس نساء وأحد عشر رجلا وجلهم من الفرنسيين، وفي 1959 تم وقف 20 فردا من أطقم المراكز. أما زميل الكاتب المغتال، فقد كان يتولى إدارة مركز بأحد أحياء وهران الشعبية (حي فالمي) مع تقديم دروس مسائية. وهو ما أثار انتباه عيون الجيش السري الذين حاولوا اغتياله بوسطة وضع قنبلة في طريقه قرب بيته. وعن المجزرة التي راح ضحيتها مولود فرعون وخمسة من زملائه من مفتشي المراكز الاجتماعية والتربوية، يقول سي رشيد إنه انتقل قبل موعد ال 15 مارس 1962 مع السيد بكري، مفتش المراكز الاجتماعية والتربوية لمنطقة وهران، والسيد فلوريس نائبه والسيد لوبيز نائب رئيس مركز لحضور الاجتماع الذي ترأسه السيد ماكس مارشون مفتش الأكاديمية ورئيس مصلحة المراكز الاجتماعية التربوية والسيد باسي مدير مركز تيقصراين للتكوين والأستاذ أيمار رئيس مكتب الدراسات البيداغوجية والسيد سلام المقتصد الذين التحقوا بشاطو روايال بالأبيار بعد قضاء ليلة في مركز تيقصراين للتكوين. ويذكر سي رشيد أن 18 مفتشا من شتى مناطق البلاد أخذوا بالوصول تباعا إلى مقر الاجتماع ومن بينهم مولود فرعون. ''وفي حوالي الساعة ال 10 و30 دقيقة توقفت سيارة ''بيرلين'' بمحاذاة البوابة الكبيرة وترجل منها ثلاثة أشخاص يبدو على مستوى خاصراتهم انتفاخ لم تسطع بزاتهم إخفاءة''. لقد ظننت - يقول سي رشيد - ''أنهم من رجال الشرطة بالزي المدني وقد جاءوا للسهر على أمن الشخصيات الحاضرة لاجتماع شاطو رويال بالأبيار. غير أنه سرعان ما سمع صوت زخات لإطلاق الرصاص داخل القاعة استمر حوالي دقيقة بدت كأنها دهر من الزمن، لتتبع بست طلقات متفرقة قاتلة...''. وحينما نهض سي رشيد من انبطاحته -يقول - لمحت السيد حموتان أحد خريخي دار المعلمين ببوزريعة غارقا في بركة من دمه.. بل وأكثر من ذلك لقد كانت جثث رؤساء الاجتماع الستة ملقاة على الأرض في وضعيات مختلفة.. لقد كانت إحدى السيدات ممسكة برأس مولود فرعون تعالج وجهه المخروق بالرصاص بضمدات مرشوحة بالكحول. لقد كان فرعون مايزال حيا وقتئذ وبكري يتلو الشهادتين عليه... كانت أجساد كل من ماكس مارشون وصالح ولد عودية مفتش المراكز الاجتماعية والتربوية لشرق الجزائر منذ ,1959 ومارسيل باسي وأيمار مخروقة بالرصاص من أخمص القدمين إلى الرأس''. أما عن قائد كومندو منظمة الجيش السري ''دلتا''، فيقول أحمد دندان إنه، وحسب ج. ب. ولد عودية (نجل صالح ولد عودية المغتال في المجزرة)، فإن التحقيق أظهر أنه ملازم من قدماء اللفيف الأجنبي، ويدعى روجي دو قلدر وولد عام 1925 في بلجيكا. انتمى في بداية مشواره العسكري كمتطوع إلى لفيف SS بفالونيا البلجيكية، ثم حارب في الجبهة الروسية في صفوف الجيش الألماني. وقبل أن ينضم إلى صفوف الجيش الفرنسي كان قد فرّ من بلجيكا بعد الحكم عليه بالإعدام بعد مشاركته في عمليات إجرامية ضد المقاومة الفرنسية في منطقة شارلوروا عام .1944 وبعد انضمامه إلى صفوف اللفيف الأجنبي الفرنسي شارك في الحرب الفرنسية في الهند الصينية ثم في حرب الجزائر في صفوف فرقة اللفيف الأجنبي الأولى للمظليين. وقد قلده الجنرال ماسو وسام الاستحقاق برتبة فارس. وهكذا يقلد المجرمون المجرمين أوسمة مراتب الشرف على إجرامهم حتى ولو طال ذلك محترفي أقرب مهنة إلى النبوة ألا وهي التعليم. يذكر أن الكاتب مولود فرعون ولد في 1913 بقرية تيزي هيبل في البقبائل الكبرى وانتسب للمدرسة العليا للأساتذة في .1932 وبعد تخرجه عمل معلما ثم مديرا ثم مفتشا للتعليم في المراكز الاجتماعية التربوية بعد .1955 له العديد من الأعمال الأدبية أشهرها انجل الفقير - 1954، الأرض والدم -,1953 الدروب الصاعدة واليوميات... وقد ترجم بعضها إلى العربية في الجزائر.