اصطحبت حماري في جولة صغيرة إلى شوارع العاصمة·· رغم الهدوء النسبي الذي بدا لنا في أول الأمر ربما من الحرارة·· أو من الصيام·· ولكن بمجرد أن استرسلنا في المشي والحديث حتى بدت لنا المحلات مكتظة ''بالغاشي''·· قلت لحماري·· - أيها اللعين·· أنت الذي نصّبت نفسك مدافعا على هذا الشعب الذي تصفه بالفقير والمُعوَز أنظر كيف يشتري الناس ويقفون في الطوابير من أجل الحصول على ''الزلابية'' و''الشربات'' وغيرها من المُحليات·· وأنت لا تجد دينارا واحدا لتوقف لعابك السائل على الأرض وكل ما تعرف قوله·· ''الله غالب''· نهق حماري كعادته غير مبالٍ بالطريق والناس الذين يندهشون لسماع صوته الغليظ وقال·· - هذا ''الغاشي'' الذي تراه فعلا فقير·· وما يفعلونه من شراء المُحليات لا يلغي فقرهم وعوزهم ولكن·· يا سيدي أترك الزلابية تحلي مرارة الأيام·· ودعك من مراقبة الناس وإلا سوف تموت همّا وغمّا واستمتع بالروائح الشهية المنبعثة من كل مكان· وفجأة·· اختلط نهيقه برائحة الأكل بصراخ متعدد الأصوات ناتج عن عراك بين شخصين·· وبالكاد منعت حماري من حشر نفسه في القضية خاصة وأن المسألة تطورت إلى استعمال الخناجر· قال حماري·· أرجوك دعني أتدخل لحل الموضوع·· ''الغاشي ''صائم والنرفزة واردة في كل وقت·· قاطعته محتجا·· أيها الحمار ''الحشري'' قضايا الناس اتركها للناس وهذا الشجار الذي تريد زج نفسك فيه دعه لغيرك من الحكماء! صرخ في وجهي محتجا·· هل تقصد أني حمار متهور··؟؟··· لا أرجوك·· لست كذلك ثم كلامك هذا بالفعل يجعلني في حالة من الغضب الشديد·· آه لقد فهمت الآن لماذا يتعارك الناس·· لقد فهمت··· تركته يشتط غضبا وأكملت طريقي مستمتعا بروائح الأكل الشهية، ولم أرد عليه·· حتى لا يقال إني إنسان مغلوب على أمره من حمار·· تكفي الغلبة من أشياء أخرى!!