شكّل دور المؤسسات العسكرية في المنطقة العربية محور النقاش بالمكتبة الوطنية للحامة، حيث تناول الكلمة مختصون من الجزائر، تونس ومصر ومواقفهم من الانتفاضات التي حدثت ضد الأنظمة العربية التي ترتكز كلها على المؤسسة العسكرية للبقاء في الحكم· وخلص المتدخلون إلى أن الوقت قد حان لتطوير كل مؤسسات الدول العربية ومن بينها المؤسسة العسكرية التي عليها أن تنسحب من السياسة وتهتم بالمهام المنوطة بها المتمثلة في حماية المواطنين والبلاد· وإلى جانب نزع السياسة من العسكر، يضاف لذلك انسحاب الجيش من الحياة السياسية والمجتمع، وهذا للسماح ببروز دولة متطورة بمؤسسات تشريعية وتنفيذية تكون نتاج صناديق الاقترع، كما جاء على لسان ميلود شنوفي البروفيسور في العلاقات الدولية بمعهد القوات الكندية بأوتاوا: ''لقد عرف العالم العربي تسييس الجيش منذ الاستقلال، ويجب الخروج من هذه الوضعية من خلال مراحل انتقالية ديمقراطية مثلما حصل في إسبانيا، البرتغال أو بلدان أمريكا اللاتينية، يجب التفكير في إعادة هيكلة الجيوش في العالم العربي وتحديد دورها في المرحلة الإنتقالية الديمقراطية''، وهذه المرحلة ممكنة، حسب رأيه، إذا أخذنا بعين الاعتبار تجارب بعض الدول الأخرى على منوال تركيا: ''الجيش اليوم لا يمكنه التدخل في الحياة السياسية التركية كما كان في السابق وذلك لسببين أساسيين الأول يكمن في أن حكومة طيب أردوغان تتمتع بشرعية شعبية مميزة، والثاني يكمن في أن الظرف العالمي الحالي لا يسمح بتدخل الجيش في السياسة''، وأضاف البروفيسور إلى هذين العنصرين، تحمّل الوزير الأول التركي المسؤولية التي جعلت من بلده قوة جهوية بدون منازع· كما عاد البروفيسور شنوفي إلى تحليل الأسباب التي جعلت من الجيوش في المنطقة لاعبا سياسيا أساسيا ، حيث قال: ''إن الكفاح من أجل الاستقلال أعطى نوعا من الشرعية لهذه المؤسسات العسكرية التي تعتبر نفسها محررة لهذه البلدان من الاستعمار، ومنها يشعرون بنوع من الشرعية من الكفاح المسلح للاستقلال''، ''لقد كانت للمؤسسات العسكرية غداة الاستقلال مشاريع التطور والتنمية التي فشلت مع مر السنوات، وهذا الإخفاق سيمهّد لتغييرات سياسية عميقة لتجنب الفوضى والانتفاضات الشعبية ذات النتائج الخطيرة''· وبالإضافة إلى كل هذا، فقد شكلت الحرب الباردة والقضية الفلسطينية عوامل أخرى ساهمت في تدخل الجيش في الحياة السياسية لهذه البلدان· وعليه يقترح ورقة عمل تسمح بضمان القطيعة مع هذه الممارسات وتساهم في دمقرطة الحياة السياسية بدون مواجهات مع العسكر: ''يجب العودة إلى الشرعية الديمقراطية التي تعطي رجالا سياسيين مسؤولين عن أفعالهم، من أجل تكوين دولة القانون، كما أن رفض الآخر يجب أن يزول من الحياة العامة وفسح المجال للاتصال النقدي، والحساسيات السياسية عليها أن تجد قواسم مشتركة لتهدئة النفوس خاصة بين الإسلاميين واللائكيين''· من جهة أخرى، ركز المؤرخ التونسي فيصل الشريف على الصعوبات التي يجدها الباحثون للحصول على المعطيات حول آلية عمل المؤسسات العسكرية: ''لا تتعامل جيدا المؤسسات العسكرية مع الباحثين، حيث لا تقدم لهم كل المعطيات لأسباب يعرفها الجميع، وهذا الأمر يعرقل البحوث الأكاديمية والعلمية التي قد تستفيد منها الأجيال القادمة''· وفي تدخل آخر للمصري عبد الغفار صقر، نوّه بدور المؤسسة العسكرية بكونها لم تستعمل السلاح ضد المتظاهرين: ''الجيش المصري يعتبر إسرائيل عدوه اللذوذ، ولا يرى جدوى من مواجهة إرادة الشعب''، ومن جهة أخرى يدعو إلى الحذر لأن العسكريين لا يريدون ترك السلطة: ''لقد بدأ الحديث عن مرشح الجيش، فهناك ضابط سامي في الجيش حسب مصادر سرية استقال من مهامه من أجل الترشح للرئاسيات القادمة، واحتمال حدوث انتفاضة شعبية جديدة وارد ضد هذا السيناريو، وفي حالة حدوث هذه الخطوة، فإن الأمور مرشحة للعودة إلى نقطة البداية''·