كالعادة، لم تمر موجة الأمطار الرعدية التي تشهدها بعض المناطق هذه الفترة دون أن تخلف خسائر بشرية ومادية في بعض المناطق والمدن الجزائرية، وشاء القدر أن تكون الكارثة بولاية البيض، حيث أحدثت الأمطار الغزيرة التي تهاطلت خسائر معتبرة بعد أن تسببت السيول في وفاة 12 مواطنا وانهيار أربعة جسور كاملة، وهو ما جعلها محل الحديث العام والخاص· وكالعادة، يعود حديث الشجون كل مرة على مدى هشاشة البنى التحتية، وصمودها في وجه الكوارث الطبيعية التي تداهم مدننا وقرانا دون استئذان، وتحدث ما شاء أن تحدث من خسائر، وتكشف من العيوب والتلاعبات بحياة البشر ما يكفي للوقوف عندها مطولا، ومحاولة الإجابة عن أسئلة واستفهامات تطرح حينا ليتناساها الكل أحيانا أخرى· وبغض النظر عن التفسيرات العلمية التي حاولت السلطات المعنية إعطاءها لتفسير ما حدث في البيض، فإن ما نود الإشارة إليه هو أن تكرار هذه المواقف والكوارث بات أمرا عاديا كلما هبت رياح الخريف وبدأ غضب الطبيعة، إلى حد أصبح شهري أكتوبر ونوفمبر مرادفا للكوارث والضحايا والانهيارات والسيول وعودة الأودية النائمة· فقبل ولاية البيض، عرفت الجزائر في السنوات القريبة الماضية العديد من انهيار الطرقات والمنشآت القاعدية في كذا مدينة ومنطقة في هذه الفترة بالذات، وكالعادة كذلك خلصت السلطات المعنية والمختصين إلى حقيقة واحدة أن كل المآسي التي تلاحق ذلك المواطن البسيط الذي يستيقظ في كل مرة على وقع كارثة تختزل حياته وتزيد من معاناته، ليكون في الأخير الوحيد الذي يدفع فاتورة تهور ولامبالاة المسؤولين الذين يفترض أن يكونوا عند حسن ظنه، لكن لا حياة لمن تنادي· عندما نتابع خرجة وزير الأشغال العمومية، عمار غول، وهو يحاول إعطاء تفسيرات مقنعة وشافية عما حدث لجسور مدينة البيض، ينتابنا نوع من القنوط والإحباط ليس لكونها فقط ليست منطقية وإنما كذلك، لتشابهها مع التبريرات الأخرى التي حاول بها مسؤولون آخرون التقليل من شأن الكوارث التي حدثت في الماضي القريب· إن الحديث عن قدم جسور البيض التي انهارت عند قدوم الغيث الأول من السماء، يحتم علينا أن نعرّج على مواضيع أخرى، وهي أهمية صيانة هذه المنشآت القاعدية وترميمها والوقوف على أحوالها ولِمَ لا تغييرها ما إذا شارفت على الشيخوخة وهرمت وتحتاج إلى ''عكازات'' جديدة حتى تصمد في وجه الطبيعة وغضبها الموسمي· ولا نعتقد، ونحن نتمعن في تصريحات الوزير غول، أنه أصاب عندما أرجع السبب إلى قدم الجسور، خاصة إذا وضعنا في الحسبان أن الجسر الرابع الذي جرفته السيول حديث العهد، ولم يمر على تشييده سوى أشهر أقل من أصابع اليد!؟ المواطن في مواجهة طرقات الموت ونحن نعري الواقع الذي تعيشه اليوم ولاية البيض المنكوبة، تتسابق إلى مخيلتنا مناظر أخرى عاشها المواطن الجزائري، بل ويعيشها ويعاني منها طوال السنة، والصور التي استعادتها الذاكرة تتعلق بعدم مطابقة بعض الطرقات الولائية والبلدية وحتى الوطنية للمعايير الحديثة والعلمية التي يمكن للمرء ملاحظتها بالعين المجردة عند مرورها عليها، حيث تعاني من سلبيات عديدة مثل قدمها أحيانا وعدم مقاومتها للكوارث الطبيعية مثل السيول، في حين تنكشف مختلف مظاهر الغش الذي رافق إنجازها، وعدم مطابقتها للمعايير المعروفة والمقاييس التي تطبق عالميا· وفي هذا الإطار، فإذا كانت الأنظار مصوبة حاليا من طرف وزارة غول إلى مشروع القرن، ونقصد به الطريق السيار شرق غرب مع كل النقائص التي لوحظت على بعض مقاطعه، كما هو الحال على مستوى البويرة منذ سنوات، فإن الحديث عن حالة بعض الطرقات والجسور وحتى الأنفاق التي شيدت وأعيد ترميمها عدة مرات بقيت في الخانة المنسية، رغم ما تسببه من متاعب للمواطن الذي يجد نفسه مرغما على السير فيها رغم مخاطرها وعدم صلاحياتها· ولئن كانت الإحصائيات لا توجد عندنا حول عدد هذه الطرقات التي تعاني من عدة نقائص، غير أننا بالمقابل يمكن الإشارة إلى الدور الذي لعبته لحد الآن في حوادث المرور التي تحدث يوميا وتودي بحياة الآلاف من الأشخاص، ورحلة الموت ستظل مستمرة ودون انقطاع مادام الوضع على حاله، فلا نعتقد بأن ما حدث بالبيض سيوقظ ضمير كل من كانت له يد في ما حدث منذ أيام، كما أن البحث عن التبريرات بغض النظر عن واقعيتها أو هشاشتها، سوف لن تمحي تلك الصور التي وقفنا عليها ونحن نتابع سيول الوادي الذي يتوسط البيض التي جرفت كل ماهو حي وجامد، من عباد وحيوان وأشجار ومنازل··· إلخ· تكررت الكوارث والسبب واحد لعل العودة إلى مأساة البيض تحيلنا كذلك إلى كوارث أخرى حدثت لم تكن الطرقات ووزارة الأشغال العمومية سببا فيها لوحدهما، فما حدث خلال زلزال 2003 ببومرداس يعتبر شاهدا كافيا على هشاشة القاعدة التحتية، حيث كشفت انهيارات المنازل والعمارات يومها بأن التلاعب بحياة الأفراد وممتلكاتهم كانت عملية مبيتة، ولعب فيها الغش دورا كبيرا، وقد بينت التحريات والتحقيقات التي أعقبت الكارثة أن تلاعبات كبيرة حدثت عند إنجاز تلك العمارات والسكنات· كما أن ما حدث قبل ثلاث سنوات بغرداية يدخل في بوتقة الهياكل القاعدية المغشوشة التي تم تشييدها في غياب المعايير العلمية والقيم الإنسانية والضوابط الأخلاقية، فكان حجم الكارثة مشابها لما حدث قبل أيام في البيض وخلال السنوات والعشريات الماضية، ويبقى تهديم أربع عمارات بقسنطينة منذ بضعة أيام أحسن صورة على مدى التلاعب بحياة المواطنين· حسن· ب --------------------------------------------------------------------------- ''عمار أوكيل'' المكلف بالاتصال على مستوى وزارة الأشغال العمومية ل'' الجزائر نيوز'': تردنا تقارير سنوية عن حالة كل المنشآت الكبرى من 48 ولاية في كل مرة تشهد فيه الجزائر أمطارا أو، تتهاوى فيها منشآت ألا تعتقدون أنه يوجد غش في مثل هذه البناءات التي من المفترض أن تقاوم وتصمد، غير أن الواقع يعري هذه الحقائق، فبمجرد سقوط عادي للأمطار، نجدها تتهاوى دون أي محاسبة، ما هو إذن وأين يكمن دور وزارتكم؟ المنشآت الفنية التي تتكلمون عنها والتي تخص ولاية البيض يعود تاريخ إنجازها إلى سنة 1948 ولا يمكن على أساسها أن نوجه أحكاما استباقية تخص مثل هذه الجسور، فهي قديمة بشهادة الجميع، كما أنها لم تشكل أي خطر على سلامة المواطنين· حتى وإن كان إنجازها في السنة التي ذكرتموها فهذا لا يعني تركها مفتوحة أمام الحركة فإما ترميمها أو غلقها، ألا يوجد هناك متابعة من قبل وزارة الأشغال العمومية خاصة للمنشآت الفنية الكبرى القديمة منها والحديثة؟ بطبيعة الحال ليكن في علمكم أن وزارة الأشغال العمومية تمتلك هيئة تشرف على مثل هذه المنشآت الفنية، وتتلقى كل سنة وفي بعض الحالات كل ستة أشهر تقريرا حول وضعية الجسور، بما في ذلك جميع المنشآت الأخرى، وعلى مستوى الوزارة نطالب كل المؤسسات التي تتحصل على المشروع بتطبيق معايير ومقاييس عالمية، وأؤكد على احترام كل المؤسسات للمقاييس التي نشدد دائما على احترامها، وفي نهاية كل مشروع نتلقى وثيقة الانتهاء منه، حيث نراقب النقائص والمقاييس بعمليات حسابية دقيقة يقوم بها خبراء معتمدون وأكفاء قبل أن يسلم المشروع ويدخل حيز الاستغلال· وفي حالة وقوع كوارث، من هي الجهة المخولة بالتحقيق في سلامة المشاريع الفنية المنجزة والتي انهارت لسبب أو لآخر؟ نملك على مستوى وزارة الأشغال العمومية، المفتشية العامة للوزارة وهي المخولة بمراقبة تطبيق الانجاز ومكاتب الدراسات وكل النقائص واعتماد المشاريع وفق المقاييس، كما أن هناك مشاريع تخضع للمتابعة الدورية على سبيل المثال جسر حيدرة لمكاتب خبرة أجنبية ومثلها مثل كل الهياكل الضخمة التي لا ندخر أي جهد في مراقبتها، إلى جانب كل المنشآت في الولايات الأخرى التي ترسل تقارير مفصلة عنها من قبل مديريات الأشغال العمومية· سأله: الهادي ·ب --------------------------------------------------------------------------- عندما تغيب ثقافة المحاسبة··؟! في خضم الجدل الكبير الذي ينتج عن الخسائر البشرية والمادية التي تحدثها الكوارث الطبيعية التي تحدث كل مرة في بلادنا، تبقى ملاحقة المتسببين غائبة تماما، رغم ما تتركه من أسف وتحسر وغضب في أوساط المواطنين والمسؤولين الذين يصرحون على الساخن بأن هناك تحريات وتحقيقات ستجري لتبيان وتشخيص المتسببين وبالتالي معاقبتهم· غير أنه بمجرد مرور العاصفة، تهدأ القلوب ويتناسى الجميع ما حدث وتصبح تلك التحريات كذلك من الماضي، وتعود الحياة إلى سابق عهدنا في انتظار كوارث أخرى! إن غياب ثقافة المحاسبة تبقى هي الميزة التي تطبع حركية المجتمع بمسؤوليه وهياكله ومؤسساته، فكم من كارثة حلت ببلادنا وأتت على الأخضر واليابس وتركت بصماتها على جبين كل الشعب الجزائري، لكنها مرت كما تمر التقلبات الجوية والأمطار الرعدية التي تضرب منطقة دون أخرى· وما حدث في ولاية البيض جدير بالوقوف عنده وطرح الأسئلة البريئة التي لا نحتاج منها أجوبة بقدر ما نحاول طرحها اليوم وغدا، لأننا على يقين بأنها سيتناساها الكل بمجرد أن تعود الحياة الطبيعية لهذه المنطقة، كما حدث قبل سنوات في غرداية وقبلها في بومرداس· ولا داعي للإجتهاد للوصول إلى حقيقة، وهو أن الذي يدفع الثمن باهظا هو المواطن البسيط دائما، الذي وجد نفسه في ولاية البيض بين عشية وضحاها دون مأوى ودون طرقات، بعد أن غمرت المياه منزله وأحالته على التقاعد رغما عنه، وسوف لن تكفي صيحاته وصراخ أبنائه الذين استفاقوا على هول الكارثة وتفاجأوا من غضب الطبيعة القاسي، ونال منه الفزع والخوف، ولسان حالهم يقول انقذونا، إننا جزائريون ومن حقنا العيش في ظروف أكثر أمانا وطمأنينة لأننا لا نريد سوى طرقات وجسور لا تنهار بمجرد غضب السماء ومساكن آمنة تكون بعيدة عن الوديان التي تهدأ دهرا وتجرف كل ما حولها دون سابق إنذار!؟ حسن· ب --------------------------------------------------------------------------- رئيس المجمع الوطني للخبراء المهندسين عبد الحليم بوداود ل ''الجزائر نيوز'': حان الوقت لإعلان استراتيجية وطنية للبناء في كل مرة تقع كوارث طبيعية إلا وخلفت كوارث مادية وخسائر في الأرواح، في رأيكم كخبير ومهندس معماري من يتحمّل المسؤولية؟ لحسن الحظ أن الكوارث التي تصيب الجزائر ليست كتلك التي تأتي على مدن كبرى ودول كاملة على غرار أعاصير الفلبين والولاياتالمتحدةالأمريكية ودول من شرق آسيا، المشكل الذي يبقى مطروحا في الجزائر هو عدم احترام الجهات الوصية وفي مقدمتها البلديات، فهي المسؤول الأول عن خريطة الأخطار والخطوط الحمراء التي في الأصل تتوافر لدى كل بلدية من بلديات القطر الوطني، غير أنها لا تطبق القوانين· كيف ذلك، عدم تطبيق القوانين برأيك هو من يقف وراء الكوارث التي تحصل في كل مرة؟ في ولاية البيض على سبيل المثال تم إحصاء أكثر من 400 عائلة منكوبة منها أكثر من 273 عائلة كانت تقطن في الخطوط الحمراء أي أنها قامت ببناء مساكنها في مناطق خطرة على تراب البلدية، وهنا البلدية هي التي يتوجب محاسبتها، فبعملية حسابية بسيطة بناء مسكن يستغرق على الأقل 14 شهرا، فهل البلدية لم تكتشف الأمر أم أنها غضت الطرف بما يعني أنها متواطئة· هذا عن المنازل الفردية، وماذا عن المنشآت الفنية الكبرى ففي كل مرة تتهاوى دون أن يحاسب أحد؟ المسؤولون أو الإداريون لا يعملون مع المهندسين المعماريين حتى عند القيام باختيار الأرضية التي لابد من إجراء تقرير خبرة بشأنها قبل وضع أي منشأة فنية سواء كانت جسرا أو نفقا أو غيرها، إلى غاية اليوم لا نملك أي ثقافة في البناء، ولا نتعلم من الدروس السابقة وكوارث أخرى ستحدث وسيذهب ضحايا جدد، فعلى سبيل المثال بولاية غرداية العديد من مؤسسات الدولة من مدارس تعليمية وغيرها أقيمت على المناطق الخطرة والخطوط الحمراء دون الأخذ بعين الاعتبار كل التهديدات التي يمكن أن تطال المواطنين بمجرد تساقط عادي للأمطار· لابد من مراجعة الوضع ودق ناقوس الخطر، الجزائر تملك مهندسين أكفاء والإدارة قامت بغلطات لا تغتفر ومرت دون أي حساب، حان الوقت لترك التقنيين يعملون ويتحمّلون مسؤولياتهم· نفهم من كلامك أن غالبية المشاريع أنجزت وفق مقاييس خاطئة؟ ماعدا الطريق السيار شرق غرب الذي وظف حوالي 7 آلاف إطار، وهو مفخرة للجزائريين، لا توجد إدارة أو مؤسسة اعتمدت حقا على المهندسين المعماريين والتقنيين، ففي أي مشروع يشرع في إعداده وتقديمه للمصادقة عليه لم يقم أبدا أخصائي بتقديمه، فتجد دائما مسؤول في مرتبة والي أو إداري هو من يقدم المشروع عوضا عن المشرف المباشر أو المهندسين الذي لا بد أن يؤخذ رأيه بعين الاعتبار، حان الوقت للإعلان عن استراتيجية وطنية للبناء، ففي البرنامج الخماسي الأول الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية والمتضمن مليون وحدة سكنية أنجزت كلها من قبل مؤسسات وشركات أجنبية صينية وغيرها ولم تتح الفرصة لليد العاملة الفنية الجزائرية المشاركة في بناء مثل هذه المشاريع الضخمة التي يمكن أن تعطي دفعا حقيقيا لنقل التكنولوجيا، ففي مثل هذه المشاريع نكتسب المعرفة والخبرة ونفوت أي غش يمكن أن ترتكبه شركات أجنبية في المنشآت التي تشرف عليها· ومن يجب أن نحاسب في حال وقوع مثل هذه الكوارث؟ لا بد من محاسبة اليد الخبيثة التي تقتل، فمن اختار الأرضية يحاسب ومن وضع المشروع يحاسب ومن أنجزها يحاسب ومن تابع تهيئة المشروع يحاسب، العديد من الخروقات مرت مرور الكرام ولم نشهد على محاسبتها أحد، فلم تكن محاسبة في كوارث أصابت ولايات كتيبازة ومعسكر وتمنراست، ومؤخرا البيض وغيرها، وسيحل الدور على ولايات أخرى ونفس الأسباب ستقدم ونفس الأخطاء سترتكب، هناك ملفات وملفات ولابد -كما سبق وأن ذكرت- الشروع في إعداد إستراتيجية وطنية للبناء·