نجحت مسرحية ''الحطام'' للجمعية الثقافية للفنون الدرامية تامنغست، أن تشد إليها جمهور المركز الثقافي بمغنية، مساء السبت الماضي، حيث تصارع الشخصيات بحثا عن مكان جديد يعيد النظام لحياتهم، ويخلصهم من خراب التغيرات العالمية السريعة· في انتظار العربة أو في انتظار قودو، الكل خرج من القاعة بقناعة أن عناصر ''صرخة الركح'' طاقة مستقبلية بحاجة إلى تأطير جاد· ''الحطام'' هو العنوان الذي اختاره المخرج عبد القادر عزوز لعمله الفني، بعد أن اقتبس الفكرة عن نص الكاتب العراقي عبد الأمير شمخي، التي كتبها ليعكس الأوضاع المتردية في بلده العراق، ومن خلالها قدم رؤية فلسفية للعالم، وما فعلت به القوى الجديدة باسم العولمة. على عكس المؤلف الأصلي للنص، الذي اختار لبطله اسما وهو ''هشيم''، قرر المخرج الشاب عزوز أن يترك الشخصيات الخمسة بلا اسم ولا هوية، فألقى بهم في مكان مجهول، حيث يعيشون، ثلاث نساء ورجلان، يتقاسمون المكان، بكل زواياه المظلمة والموحشة، يترقبون الجهات الأربع للأفق، في انتظار العربة. فمستقبلهم متوقف على قدومه، فهي ستحملهم إلى مدينة أخرى أكثر اتساعا، ورحمة وأقل خرابا ومأساة. في مدينتهم المنشودة، ترك كل واحد من هؤلاء شيئا من ماضيه، من حياته الشخصية، كتلك المرأة (هابة صبرينة) التي تحلم باسترداد بقايا عظام رضيعها، فيما احتفظت بجمجمته، يقودها الجنون إلى تخيل زوج غير حقيقي (وهيبة باعلي) الذي هو في واقع الأمر سوى امرأة أخرى متخفية في زي رجل. أما ''الجلاد'' (عزوز نور الدين) فانتابته أزمة ضمير حاد، وهو يلتقي ب ''الضحية'' (إليشان أحمد)، اللذان دخلا في حديث طويل حاول كل واحد أن يشرح ظروفه التي أدت إلى تلك المرحلة من الانحطاط في إنسانيتهما. وتتردد في أجواء المسرحية عبارة تلخص فحوى العرض هي ''مسكين من يحيا كورقة بيضاء يضع عليها الآخرون أختامهم''· نجح المخرج عبد القادر عزوز في توزيع ممثليه، فبدت المسرحية منتظمة، من حيث تحرك العناصر فوق الخشبة، حيث تفاعل كل واحد مع شخصيته، ووضعها في الزاوية المطلوبة، ناهيك عن حسن استخدامهم لعناصر الديكور. فقد كان الديكور عبارة عن شجرة في الجانب الأيسر من الخشبة، معلقة عليه بعض القطع القماشية، وأدوات أخرى مثل عربة صغيرة، صخرة، تم إبرازه عن طريق إضاءة تكفل بها لصفر عبد الرحمن. وبما أن لكل فعل رد فعل، تنتهي المسرحية بقتل الجلاد الظالم لنفسه، بعدما أثقلت شروره كاهله ولم يعد يقوى على تأنيب ضميره. وفي صورة تراجيدية، حاول المخرج أن يعكس هذا الصراع الداخلي، في الشخوص ذاتهم وفيما بينهم، فجاء أداء الممثلين، حد كبير من الصراخ والتأوهات والبكاء، رافقتها موسيقى مناسبة جدا حاكت الموقف. قال النقاد·· أجمع المتابعون للعرض أنهم خرجوا من القاعة بانطباع أكيد، أن المسرحية دارت بنفسية عمل سامويل بكيت ''في انتظار غودو''، ذلك لأن شخصيات ''الحطام'' كانت تنتظر العربة التي لم تأت أبدا. إلا أن المخرج لم يبرر في مرحلة من تطور العرض العلاقة الجدلية بين الجلاد والضحية، ولا سببية وجود تلك الشجرة في الركن الأيسر من الخشبة؟ ثم لماذا استعمل المخرج فتاة في دور رجل؟ ثمّن المتابعون قوة العرض لأنه شد انتباه الجمهور من الوهلة الأولى، خاصة وأن شباب مغنية، ما زال لم يتصالح مع الفن الرابع، ولا يملك الحس المسرحي الذي يجعله يحترم حضرة الكلمة. قالوا المخرج عزوز عبد القادر: التمثيل بالفصحى واجب إختيارنا لنص عبد الأمير شمخي، نابع من مضمونه العميق الذي ينطبق على أكثر من مجتمع، لهذا فأنا لم أقم باقتباس النص بل تركته كما هو، وأضفت إليه أشياء وفق رؤيتي الخاصة، وهو ما يفسر سبب تغيير العنوان من ''الهشيم'' إلى ''الحطام''. لا شك أن العمل منقوص من حيث النظرة الإخراجية، لكن الأكيد أننا راهنا على أن نتمتع بالعمل وأن نمتع المتفرج معنا. أما عن مسألة اللغة الفصحى، فأعتقد أن العربية بحاجة إلى جيل يحفظ دوامها، والمسرح في نظري، هو طريقة من الطرق لإبقائها حية، تتفاعل مع كل المواقف الإنسانية، فأنا لا أرى أنها غريبة عن همومنا اليومية. الممثلة باعلي وهيبة: المسرح يوفر لي الاحترام المنشود اجتماعيا تتميز وهيبة بحضور قوي فوق الخشبة، صوتها يحمل كلماتها بعيدا، تتحرك بخفة فوق الخشبة، تقول عن كونها ممثلة ما يلي: ''تعبت كثيرا حتى أقنع عائلتي بقبول رغبتي في ممارسة المسرح. كان أمامي رهان كبير، أولا إقناع والداي ثم إخوتي في الدرجة الثانية، بعدها كان عليّ أن أشرح الأمر لأصحابي وأحبابي وكل محيطي. في تمنراست كان لنا حظ متابعة عروض احترافية، مثل ''فاطمة'' ومونولوج ''زبيدة شو''، فوجدت أن المرأة تستطيع أن تعطي الكثير في الفن. فهمت أنه يمكنني أن أقول للآخرين لا يمكن أن تحددوا لي مساري ولا مستقبلي وأنني سيدة أمري. والمسرح مستقبل قد يوفر لي الاحترام المنشود من قبل عائلتي. هارون كيلاني: من حق الهواة اختيار النص واللغة في الوقت الذي تساءل فيه المسرحي علي عبدون، عن سر إصرار فرق الجنوب على الاشتغال باللغة العربية الفصحى، في وقت كان يمكنهم استغلال رصيدهم اللغوي المحلي، خاصة وأن الممثلين لا يتقنون جلهم النطق السليم للغة العربية الفصحى، أكد المخرج هارون كيلاني، من الأغواط، قائلا: ''فرق الهواة لها الحرية في اختيار الشكل الذي يريدونه، سواء النص أو فلسفته. كما لهم حق اختيار نص محلي أو عالمي، وهم لا يقعون تحت طائلة العقاب، كغيرهم من الفرق المحترفة''، كما أشار الكيلاني إلى أن فرقة ''صرخة الركح'' قدمت اليوم عرضا يعد بمستقبل واعد للمنطقة كلها، ودعا إلى عدم الاكتفاء بالنقد الظرفي.