أقنعة، كلنا بأقنعة، من منكم بلا أقنعة فليقنع نفسه أولاً بغير قناعاته أقنعة، حين الذهاب إلى السوق يتلبسه قناع التسوق، وقبل أن ينام يتوضأ بركعتي المغفرة لكي لا يباغته ملك الموت فيواجهه بقناع عهر التديَّن حين يكون في العمل يحتذيه قناع السيد المسؤول، فيبادر ''فوري'' للبسِ قناع الذليل في الحانة، وبعد الكأس الأولى، يترأسني قناع الشفافية، تتمايل بقية الأقنعة··· وحين يكتب··· آه من يكتب، قناعا يتوارى خلفه، يهُوَنُ المصدات، حينما يفرغ من تعبئته سيلتقيكم وجها لوجه، سيكون له قناع المُجاراة، مع المتدينين يلبس عباءة الإحرام يجالسهم حسب ما يرام، قال فلان وروى علان، ومع العلمانية يعود لأصله وفصله يتنقل كجده القرد، قال ماركس وروى فلاديمير إيلتش، ومع النساء يُطلِّق العنان لحرفه يتوهج قوس قزح في مرايا العيون سيباغتكم ملمسه، ما لم تخبروا في كل قناعاته المرئية والمسموعة··· 2 لعل القناع صار كالمجداف ضروريا لتستمر طافيا فوق الماء بقاربك المتهالك كلما زادت الثقوب في قواربنا كلما استعنا بمزيد من الأقنعة··· ألاّ من مزيد بعض التأملات تصيبني بالإحباط، النفاق ليس مجرد سلوك، يؤشر إلى حالة ضياع جماعي، بل حالة اختصار الجماعة بفرد، خالصة لوجه الحقيقة، يوم اكتشفنا أن العمل الجماعي مجرد حيلّة ابتدعها الأغنياء لتمرير الفقراء، النفاق وسيلة لدفع الضرر عن قناعاتنا ''المُصيبة جدا''، فما عاد بمقدورنا الإتكاء على قناعة واحدة، ذلك زمن ولى واندثر··· 3 صديقي الشاعر ذهب لبغداد يتسوق وظيفة مرموقة، تماهى في مواقفهم ''أقنعتهم''، واجهوه بقناعه القديم، ''انكسري عربة الغزاة''، بالدليل القاطعكان القناع قاسيا ومؤثرا، وحين لم يقنعهم بقناعه الجديد المُؤوّل، عاد لقناعة القديم المهرول، بعدما طويت له الأرض، متخطيا بعض قناعات ''أقنعة'' كان قد رتبها بينه وبين القناع الذي استدعاه على عجلٍ إلى العاصمة بغداد· 4 كتب مقالة ''هذه هي مسؤولية الجنرال···''، هاجم فيها قناعة مترسخة، بناء على قناعة ثابتة، تفاوتت ردود القناعات بين قناع وقناع ''في الاستفزاز تستنفر القناعات البدوية تنفلت من رقيبها المعرفي ''باغته قناع جسور متخفي، وبعد التي وما بعدها، هدأت العاصفة بعدما أرهقت الأقنعة، هتف قناع مقاوم طفح رأسهُ الكيل بمكيالين، مالكم تلعبون برؤوسنا ''شذر مذر'' بنا أم علينا، تطشرون طشار أقنعتنا، فنرتديها على عجالتكم كيفما اقتنعتم، أقنعة نحسبها ضميرية، ثم تُخففون بنا السيّر، فتوحدون قناعاتكم المتناطحة فينا، كيف نقنع أقنعتنا الثورية بقناعاتكم المساومة، يقصد أقنعتنا التي تلبستنا في حالة استنفاركم قبل أن تتناطحوا فتتوافقوا، ونحن بين مدٍ وجزر··· يا لسواد وجهي من قناع اليوم، كيف يقرأني بالمقلوب··· 5 يدفعون بك لترتدي قناعا قَصُرَ عليهم، كأن يقولوا عنك شاعر عظيم يعزف لحنا مبتكرا، أو أن كشف عنك الغطاء فبصرك اليوم حديد، أو تقول من تحسب نفسها جميلة في قيافة كلماتك، همسا في فؤادك الراغب، ليتني أنجب منك وِدّاً يشبه طيف أحلامي، كم أحلم بليلة مختلفة معك تعيد لي شبابي وتبدد خشية وساوسي، الحقيقة غير ذلك، قناعك من يتكلم بالنيابة عنك وليس أنت سوى ناقلا للوهم، كانت أمي تقول حين تراني على تلك الحالة، اذهب يا بني إلى الخَلاء وفرغ مبولتك أو فساء أمعائك المتخثر منذ ليلة لم تتذكر، لتستقر وتعدل قناعك الوِتر أسفل وسطك الموْتُور الحقيقة غير ذلك، ورقة نقود أمريكية بعشر إرهاصات في الهواء الطلق··· مالكم لا تستوعبون··· 6 يقول صديقي الشاعر، أقرأ السطر الأول في النص سرعان ما اكتشف حجم القناع المتلبس بتكشيرة وجه مبتسم، فالكتابة زلة قدم لقناع متنكر··· قلت له وكيف تعلمت ذلك؟ أجابني: انظر لأجواء نفسي المتخشبة بين قناع وقناع، فأخرج من رواسبي قرين دوافع القناع الذي كُتبَ فيه المقال بالنيابة، فالكاتب الرصيف ''والعهدة على الروي'' يملك رأسا هلاميا تزاوله كل الأقنعة، تستبدله حسب جدول القناعات لكنك ضد التصفيق والهتاف، سألته بمكر، فأجابني: سرك سري، لا يزيدني كثرة التصفيق والهتاف إلا تمسكا بقناعي، ألاّ ترى في الغرور حاجة شعرية؟· وكيف التخلص من ذلك؟ جَهَّلة رَعاع··· 7 أثناء العمل كان صديقي الشاعر يجد حرجا كبير، فحين تواجهه معضلة التلكؤ أو عدم الإستيعاب كان يتفلسف بمعلومات كبيرة ليبهر بها مدير العمل ويغطي عوراته، ولما كثرت الهفوات تحوّل لبهلوان مهرج، فقد ثبت بطلان كل الأقنعة التي بحوزته، إزاء تجربة العمل الحر في وضح النهار، وتحوّلت تكنولوجيا المعلومات في جمجمته الزرقاء، سفسطة لا تغني، تعاني الفجوة بينها وبين مستمعيها··· بعد أسبوعين عاد تائبا لقناعه القديم ''يسهر ليلاً وينام نهارا''، لكنه مازال محرجا، كيف لم يستطع أن يقنع خمسة عمال أميين بأقنعة حرص على ترتيبها وتنضيدها، طوال مسيرة شعرية حافلة بالقراءة··· والكتابة لابد من مراجعة كل الأقنعة وإضافة ما يستوجب اكتشفنا قناعا جديدا، مبروك علينا؟! 8 نظر إلى نفسه قائلا، كيف أغلبها؟ ولأنه خبير بالأقنعة، اختار قناعاً لا لون له أو طعم أو رائحة، قناعا لا يُمسك في الذاكرة، ولا تحده الكلمات، ضيقا حين تتسع والعكس دواليك قناعا تَمرَّس على التوغل في كل التجارب المتناطحة وخرج منها بهيئة لا أدري قناعا يوهم الفراشات برعشة الخلود لكن قليل الحِيلة هذا، لم يصغ جيدا لقناع الغرور، فالمرأة من يوهمنا بخلو الرؤوس من غرور الأقنعة لتدهشنا بمزيد من القناعات، فيشمت غلو قناعها المرأة لا غير، هي القناع الذي انسلت منه··· جميع الأقنعة· 9 من منكم بلا قناع··· فليرجمها