أخذ فيلم ''المغني'' جمهور وهران، إلى زمن ديكتاتورية صدام حسين وحاشيته، وأعاد نسج خيوط الخوف والترقب، التي كان يعيشها الفرد العراقي· إلا أن المخرج قاسم حوَل، شاء أن لا تربط ملامح بطل الفيلم بشخصية صدام حسين، مؤكدا أن عمله فني بالدرجة الأولى وليس إنجازا انتقاميا من أي طرف· المخرج فضّل الاكتفاء بصفة ''الديكتاتور'' التي تنطبق -حسبه- على أي بلد عربي· ''المغني'' في الفيلم العراقي، المعروض في ثالث يوم من المنافسة الرسمية لمهرجان وهران السينمائي، هو دراما سياسية واجتماعية وثقافية، التصقت بيوميات الشعب العراقي، بكل مستوياتهم· ورغم رومانسية العنوان، إلا أننا تابعنا طيلة ساعة ونيف من الزمن، أحداثا مرعبة تنقلنا إلى زمن هتلر وحزبه الوحيد الخلية، وشبكاته المتلصصة على مكالمات الناس، وحواراتهم الحميمة· تقمص دور المغني ''بشار البصري''، الممثل والمخرج العراقي عامر حلوان، الذي يستعد ذات صباح ربيعين إلى التوجه للقصر، لإحياء عيد ميلاد الرئيس· في الطريق تتوقف سيارته، فيضطر إلى السير على الأقدام، ثم استعارة سيارة أحدهم، لكنه يصل متأخرا، ويكون مصيره تحطيم عوده، وصفعة أردته أرضا، في وقت يحظى البصري بحب واحترام الناس خارجا· قال علوان عن دوره: ''دوري كان كابوسا، تعوّدت أن أقف وراء الكاميرا كمخرج، كم هو صعب أن تقابلها··''· في الوقت نفسه، يصور المخرج، قدوم المدعوين إلى الحفل، وخضوعهم إلى تفتيش يفضح خصوصياتهم، ويقف خلف عين الرقيب المتجسس عليهم، التي تسجل كل أحاديثهم· يذكرنا الفيلم برواية جورج أورويل ''''1984 وعيون ''بيغ برودرس'' التي تراقب كل كبيرة وصغيرة في يوميات السكان · تتصاعد وتيرة الأحداث، داخل قصر الديكتاتور، ما أعطى الانطباع أن الممثلين يتحركون في المكان، بصفته فضاء مسرحيا، أكثر منه سينمائيا، وقد برر ذلك المخرج، بقوله: ''القصة تفرض عليك المكان''، كما ترك ممثليها على طبيعته، دون مساحيق كثيرة: ''أنا لا أحب المكياج في السينما، فمن بين عيوب السينما العربية الإكثار من المساحيق''· إلا أن هذا لا يمنع الفكرة الرئيسية التي اشتغل عليها المخرج، والقائمة على الرئيس السابق صدام حسين، إلا أن المخرج لم ينطق باسم الرئيس بالمرة في نقاشه مع الصحافة، مكتفيا بالرد: ''هي قصة حقيقية وقعت لأحد أصدقائي مع أحد أبناء الرئيس''، إلا أن ابن الديكتاتور، ظهر في الفيلم قصير القامة، خائفا لا يثق في نفسه: ''تعمّد أن لا يشبه الممثلين بالشخصيات الحقيقية المعروفة في العراق، لأني أريد الحديث عن الديكتاتورية في شكلها الأوسع''، يعلق المتحدث، قبل أن يضيف: ''فيلمي ليس انتقاما من أحد، مع أنني كنت ضحية مثل تلك التصرفات الظالمة''· ''المغني'' في معادلة الفيلم العراقي، كان الوتر الرومانسي الذي أبقاه المخرج قاسم حوَل، للعب على فرصة أخرى للحياة، ورغم الإهانة التي تعرض إليها بشار البصري، تحت التهديد والضرب، إلا أنه شاهد على وقائع لا تصدق، على كابوس يجبره على الغناء باكيا، مقابل البقاء حيا· أوكل دور ''الديكتاتور'' للممثل طارق هاشم، فيما تقمصت كاترين الخطيب، في أول خرجة سينمائية لها، دور عشيقة الدكتاتور، كما اختار المخرج العمل مع إنعام جصاص ''زوجة الشاعر''، وأثمار خضر، المرأة الحالمة بمنصب مذيعة بالتلفزيون، فكلهم ممثلين من خارج العراق· أما من الداخل فنجد، مجيد عبد الواحد في دور ''الجنرال'' وعباس حمدان في دور ''رجل المخابرات'' · جدير بالذكر أن ''المغني''، هو أول فيلم عراقي يستفيد من تمويل فرنسي من مؤسسة ''آر·تي''، كان ذلك في .2009 ورغم ذلك، تبقى إمكانات إنتاجه ضعيفة· فيلم مثقل ب ''الدلالات''، يعترف صاحبه، سياسي بامتياز، لكنه يرفض الامتثال لمنطق الاعتراف الصريح· قال المخرج··· -- الفيلم لم يعرض في العراق، ولا أعتقد أنني سأوفق قريبا في ذلك، رغم الطلب الذي قدمته، سلطة ما بعد الاحتلال، أغلقت وخربت كل قاعات السينما، لم تبق على أي فضاء للثقافة والفن· -- عرضنا الفيلم على الجالية العراقية في الخارج، السويد تحديدا، وقد استقبل العمل بترحيب وارتياح· لكن لا أعتقد أن طريقة معالجتي للموضوع ستقبل في العراق، لأن ثمة أيديولوجية حالية ترفض الطرح الذي قدمته في ''المغني''· -- القصر الذي صورنا فيه يطل على بحر العرب، حالته الآن كارثية، اضررنا إلى ترميم أجزاء منها ليصبح صالحا للتصوير·