إذا كان الموسم الأول للاحتراف الذي طبق على الكرة الجزائرية قد اعتبر بمثابة الخطوة الأولى التي تشوبها عادة العديد من العراقيل التي تعترض عملية الانتقال من حياة هاوية إلى أخرى محترفة، فإن المعطيات التي انفرد بها الموسم الكروي الاحترافي في موسمه الثاني لم تختلف تماما عن سابقه، حيث بقيت الأمور تراوح مكانها، ولم يطرأ أي جديد على المشهد الكروي الجزائري سواء تعلق الأمر بالإمكانات التي سخرت لإنجاحه أو الذهنيات التي رافقت تطبيقه، وهو ما دفع ببعض الفاعلين في الحقل الكروي الجزائري، ومنهم على وجه التحديد، رئيس الفاف محمد روراوة إلى أن يعلن صراحة بأن بلوغ المرحلة الاحترافية لا يمكن أن يتجسد قبل مرور أربع أو خمس سنوات، وهي نفس القناعة التي خرج بها الكثير من المتتبعين للشأن الكروي في بلادنا· ويمكن القول إن السنة الثانية للاحتراف جاءت لتكرس مبدأ الفشل الذي آلت إليه كل الأفكار والبرامج التي تحدّث عنها الجميع على الورق يوم هبت رياح التغيير والمرور من نمط كروي يعتمد أساسا على ما تغدقه الدولة من أموال على الفرق، إلى آخر يقوم على مبدأ اعتماد هذه الأخيرة على نفسها مع كل ما يصحب العملية من هيكلة داخلية للأندية، وإقحام الشركات ورجال الأعمال في صنع الحياة الاحترافية من خلال جلب الأموال وتسطير البرامج وتطهير الوسط الكروي من الممارسات البالية التي عشعشت لعشريات كاملة من الزمن· اليوم وإذا استثنينا تجربة نادي اتحاد العاصمة الذي حاول مسؤولوه الجدد الانتقال إلى العالم الاحترافي، فإن السواد الأعظم، إن لم نقل الكل، ما يزال يعيش حياة هاوية بامتياز، ولئن كانت هناك جملة من الأسباب التي ساهمت بقسط كبير في فشل التجربة الاحترافية، فإن أبرزها يكمن في الأسلوب الذي اعتمد في البداية من خلال التهليل لضرورة تطليق الأفكار الهاوية والمرور مباشرة إلى الأفكار والأساليب المحترفة على منوال ما تعيشه اليوم العديد من البلدان في الميدان الكروي وبقية الأنواع الرياضية الأخرى، وقد حدث كل هذا دون طرح السؤال الأساسي والمهم وهو مع أي كفاءات ومسؤولين يمكن تطبيق هذا الاحتراف، وهل يتطلب الأمر مجيء وجوه جديدة ودماء أخرى لتهيئة الأرضية والإتيان بأفكار وأنماط تتلاءم ومتطلبات حياة الاحتراف؟ الثابت اليوم أن نفس الشخصيات الكروية التي تداولت على دواليب تسيير شؤون الأندية والهيئات الكروية في بلادنا ما تزال موجودة وهي تطبق نفس النظريات والأطروحات والمفاهيم وتعتمد على نفس الوسائل والوسائط، وهي ببساطة ما تزال تعيش بأفكارها الهاوية ولم تتأثر بما يحدث من حولها من تغييرات، بل وأكثر من ذلك، فهي ظلت دائما تعتبر نفسها هي الآمر والناهي في الأندية ولم تهضم بعد بأن دورها اليوم قد انتهى وعليها الانسحاب بشرف لأن المنطق الاحترافي يقول، من يهيمن على الناحية المالية للأندية هو الذي يتولى تسيير أمواله ولا يسمح لأي كان تولي المهمة، ويبقى مسلسل تنحية الرئيس السابق لاتحاد العاصمة السعيد عليق الأكثر مصداقية في رحلة تغيير الذهنيات والأشخاص لبلوغ الاحتراف الذي تأكد فشله وهو يودع عامه الثاني؟!