يتهم سلطاني حليفيه السابقين، الأفالان والأرندي، أنهما وقفا حجر عثرة أمام شراكة سياسية حقيقية من أجل تحويل التحالف الرئاسي إلى قوة فاعلة، ومن هنا وجد نفسه كرئيس لحمس مضطرا لفك الإرتباط والتبرأ من هذا الحلف الذي تحول إلى علامة جمود ليدخل معركة التشريعيات القادمة دونهما، هل هي الحقيقة أم يخفي مثل هذا التوجه الجديد نوايا في السرداب لم تكشف عن ملامحها وصوتها بعد؟! يعلق ملاحظون أن الزواج السياسي الذي تم بين حركة سلطاني وبوتفليقة عشية خلق التحالف الرئاسي في ظل ظروف انتخابية، لم يكن خلقا بقدر ما كان إختلاقا، وطبعا الفرق شاسع بين الخلق والإختلاق، فالأول يخضع إلى قوانين طبيعية، بينما الثاني اصطناعي، بل يكون أحيانا ضد ما هو طبيعي، وهذا ينسحب على تلك العلاقة التي أملتها أوضاع غير طبيعية، نظرا لانعدام المشروع المنسجم بين حركة سلطاني وحزبي الأفالان والأرندي الذين كلهم انخرطوا تحت شعار فضفاض، سمي بالدفاع عن برنامج الرئيس الذي تقدم إلى الرئاسيات كمرشح مستقل ومرشح إجماع بالإضافة إلى أنه الرئيس الشرفي لجبهة التحرير الوطني·· لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو هل كانت حركة سلطاني تمتلك بالفعل حرية الإختيار والمناورة لتسعى أن تكون كحزب معارضة؟! بل وهل كانت حركة مجتمع السلم، منذ دخولها المعترك السياسي في نهاية الثمانينيات حزب معارضة؟! إن سياق ميلادها في تلك الفترة على يد الراحل الشيخ محفوظ نحناح جاء كردة فعل على النشأة المفاجئة لتيار إسلامي شعبوي فاجأ كل المراقبين بل والسلطة نفسها آنذاك، والذي اتخذ جبهة الإنقاذ تسمية له·· ولقد أدى التطور السريع لهذا الحزب واكتساحه الميدان بحزب نحناح آنذاك للتموقع بشكل مرتبك ومتذبذب إلى جهة أصحاب القرار من عسكريين ومدنيين، وتجلى ذلك في تخليه عن جماعة سانت ايجيديو وانخراطه كلاعب مساعد في رئاسيات 1995 التي زكت مرشح العسكر ليامين زروال، كما أن حركة نحناح وقفت إلى جانب الجانفويين الذين ألغوا المسار الإنتخابي وكانت طرفا مشاركا في المجلس النيابي الإستشاري الذي حل محل ''الشرعية الشعبية'' ولقد دفع الرئيس الحالي لحركة مجتمع السلم الثمن عندما تعرض لمحاولة اغتيال من طرف المتشددين الإسلاميين، ليصبح بعد ذلك في الجهاز التنفيذي كوزير·· ومع رحيل نحناح الذي كان يجيد لعبة الكر والفر وإدارة الخطاب المزدوج الذي سمح له بالدخول خطوة خطوة في جهاز الحكم والإدارة المركزية والمحلية، وجدت الحركة نفسها في حالة يتم وبدون أب يدرك جيدا أسرار اللعب على خيط ما بين الأرض والسماء·· فخليفته كان يفتقد إلى كثير من مزايا الأب·· ومن بينها الحنكة السياسية، وهذا ما فتح باب النزول إلى جهنم بالنسبة إلى المثاليين من حركة حمس على مصراعيه·· فالعملية السياسية التي دشنت في حقبة بوتفليقة لم تتمكن من تحريك الحالة السياسية الديمقراطية وفقدت مع الزمن كل أمل في خلق حراك حقيقي وديناميكية للخروج من الأزمة والجمود السياسيين·· ومن هنا راحت حركة مجتمع السلم تفقد صدقيتها ليس في نظر الوعاء الإسلامي الكبير، بل في نظر حلفائها من داخل النظام وفي نظر عائلة الإخوان في دول عربية وإسلامية·· فالتكتيك الذي كان يجيده الأب المؤسس لحمس تحول في فترة سلطاني إلى تكتيكاوية مبتذلة·· فلقد تورط إخوان الجزائر في الفساد والمحاباة وأصبحوا طيلة السنوات الأخيرة جزءا من فشل العملية السياسية وجزءا من الأزمة البنيوية للنظام وترتب عن ذلك ميوعة في صفوف قاعدة حركة سلطاني، وانشقاق جزء مهم من كوادر الحركة عن الحزب لتأسيس حزب جديد منافس، وباختصار لقد أضاعت الحركة ما تبقى لها من روحها ولقد بدا ذلك جليا بعد تعرض حمس للإذلال من طرف شريكيها اللذين تمكنا من تحييدها على الصعيد الرمزي، وبالتالي إفراغها من مضمونها الإيديولوجي وهويتها السياسية·· صدمة الخوف يرى البعض أن خط عبد الرزاق مقري، هو الذي قلب الوضع داخل حركة مجتمع السلم، لكن هل يعقل ذلك، بعد ثماني سنوات من التحالف الذي لم يحقق النتائج المرجوة؟! هناك عوامل تتعلق أساسا بانبعاث التيار الإخواني في البلدان التي عرفت ثوراتها من جهة، ومن جهة ثانية برغبة الغرب، والولايات المتحدة خاصة بالرهان على الإسلاميين المنخرطين ضمن نظرتها الإستراتيجية في المنطقة، بالإضافة إلى شعورها بفقدانها جزء من وعائها الإنتخابي الذي كان لديه أملا في أن يكون الإسلاميون المعتدلون الذين طالما رفعوا شعار الوسطية، بديلا محتملا عن السلطة القائمة·· لكن كان ذلك ممكنا لو عرف إخوان الجزائر كيف يحافظون على الأقل على ما تركه محفوظ نحناح وراءه·· لكن حركة سلطاني حسب البعض لم تتمكن من الحفاظ على ماء الوجه عندما ارتمت في أحضان الحكم وقطعت تلك الشعرة التي تربطها بالقاعدة الإنتخابية·· كما أنها لم تتمكن من تجاوز خطاب نحناح السياسي، بل اندمجت في خطاب السلطة وأصبح حالها حال الغراب الذي فقد مشيته وهو يحاول تقليد مشية الحمامة· لقد طلّق حزب سلطاني شريكيه، لكنه في نفس الوقت بحفاظه على وزرائه في الحكومة، مصر على البقاء في بيت السلطة كجهاز تنفيذي، ويبدو هذا الأمر في نظر المراقبين سلوكا انتهازيا ومتناقضا وغير مفهوم، لكن في الحقيقة يعبر هذا السلوك عن مأزق حقيقي في أفكار حمس، وبتعبير أدق عن غياب حرية القرار عند القائمين على حمس·· فإن كان التحالف مع الأفالان والأرندي حراما، فكيف تصبح المشاركة في الحكومة حلالا، كما وصف ذلك بذكاء الزميل في جريدة الخبر سليمان حميش؟! وكما جاء في قول النبي (ص) عن الخمر، ''ما أسكر كثيره، فقليله حرام'' وسلطاني فيما يبدو اختار لحركته هذا القليل من الحرام لتتحول إلى بوكو حرام·· خاصة إذا ما كشفت لنا الأيام القادمة أن ما أقدمت عليه حركة سلطاني هو مجرد ذر الرماد في العيون، وذلك يعني أن الخطة قد يكون تم طبخها في مخبر بعيد عن عيون القاعدة النضالية لحمس، الهدف منها إعطاء صدقية لهذا الحزب الذي أصبح جزءا من الفشل السياسي والفساد الذي نخر جسم رهان الخروج بالجزائر إلى شاطئ الديمقراطية·· ومثلما اتهم الأفالان والأرندي أنهما استفادا انتخابيا من تواطؤ الإدارة، فهل سيأتي الدور على حمس لتستفيد هي الأخرى في ظل وضع عربي مثلما استفاد أخواها سابقا؟! وذلك من أجل هدف واحد، وهو أن الجزائر لا تشكل استثناءا، فنحن أيضا لدينا إسلاميونا على الحكومة!