أداء ''الربيع التونسي'' بعد الانتقال من حكم زين العابدين بن علي إلى البدء بممارسة الديموقراطية هو الأفضل قياساً بما يجري في مصر بعد سقوط حسني مبارك وفي ليبيا بعد قتل معمر القذافي وفي اليمن بعد إزاحة علي عبد الله صالح· لكن تونس تمثل الآن علامة استفهام في أفق المستقبل الذي قد لا يستجيب لأحلام الثوار الوردية، وهو ما يذكّرنا بقول أوبير فيدرين ''إن التحول إلى الديموقراطية أصعب من تفتّح زهرة ربيعية''· فقبل أيام، أطلق الرئيس التونسي منصف المرزوقي صرخة في وجه الثوار الذين فرضوا التغيير ولكنهم لم ينضبطوا لصنع المستقبل، عندما قال ''إن الاستمرار في الاعتصامات انتحار جماعي وأن بقاءها سيجبرنا على أكل الحجارة''! يأتي هذا التحذير بسبب اتساع الخوف من مغادرة المستثمرين وإغلاق المصانع والمؤسسات بعد الاحتجاجات الكيفية والاضرابات الفوضوية المتزايدة، وبعد انخفاض نسبة النمو إلى الصفر وهبوط الاستثمارات 30 في المئة وتراجع حركة السياحة وشلل التصدير وتسريح آلاف من العمال وإقفال 114 مؤسسة بسبب 326 اضراباً واعتصاماً تشل البلاد وهذا ما أفرز مليون عاطل عن العمل· وإذا كانت نار التونسي محمد البوعزيزي قد أشعلت الثورة في أكثر من بلد عربي، فإن صرخة المرزوقي تشكل إنذاراً إلى عواصم ذلك الربيع الذي ستزهر فيه الخيبات مدة طويلة قبل الوصول إلى حلاوة الزهور، لأن الانتقال من الديكتاتورية إلى الديموقراطية ليس ''قهوة اسبريسو''، فالعملية في أوروبا كانت طويلة ومعقدة وشهدت ثورات دموية أكبر من القتال قبل يومين بين الثوار الليبيين الذي ينذر بحرب أهلية، فيما احتاجت الثورة الفرنسية إلى 150 عاماً لتستقر وكانت أول من أكلت أبناءها· وعندما يخيّر المرزوقي الثوار الذين يعطلون المصانع والجامعات بين معاملتهم بالحسنى أو بقبضة القانون وينبري من يتهمه بأنه ''تسلم السلطة وهو يتأبط خطاب الديكتاتور المخلوع''، فذلك يعني أن تونس قد تتجه نحو مزيد من الاضطراب، بينما قد تنزلق ليبيا إلى الحرب الأهلية والقبلية، ويقف كمال الجنزوري عاتباً على دول الخليج لأنها لم تقدم سوى مليار دولار مساعدة لمصر المتخبطة في مرحلة انتقالية غامضة إلى درجة أن هناك من يدعو إلى منع السياحة، وإن تساهل فإلى ''سياحة حلال''! أربعة أخطار تواجه الربيع العربي: صراع الثوار على لون السلطة وطعمها والأزمة الاقتصادية التي يواجهونها وشح المساعدات من دول الخليج المنهمكة في إنفاق داخلي يمنع تململ مواطنيها والأزمة الاقتصادية التي تعصف بأوروبا·