فجرت المخرجة والممثلة دليلة مفتاحي، مساء السبت الماضي، فوق خشبة عز الدين مجوبي بعنابة، شحنة ثورية مميزة رفقة زميلتها نورهان بوزيان، وهما يؤديان للمرة الثانية مسرحية ''التمرين'' لمحمد بن قطاف· الكل شعر بالحماس وقوة الأداء، فسرته مفتاحي بقولها إن تعاونية ''الناس'' استوعبت النص الجزائري أكثر بعد ثورة الياسمين· كانت دليلة مفتاحي وفية لوقفتها على الخشبة، ونحن نتابع دورها الجديد في مسرحية ''التمرين''، تذكرنا ''شهرزاد لالة النسا''، وتلك الفنتازيا التي يلبسها العرض· فعندما تأخذ مفتاحي نصا، يصبح بين أيديها أنثى، تماما مثلما فعلت مع ''التمرين'' حينما قررت أن تعوض الممثلين بممثلتين، فتصبح ''حمدية'' (نورهان بوزيان) و''جليلة'' (دليلة مفتاحي)، يعملان على نص مسرحي جديد، نص لشكسبير، ومعهم المخرج كمال الكعبي، الذي كان ملح الطبق النسوي المقدم بعنابة، وكان العين التي ترقب مسعى الممثلتين إلى حفظ النص، ويقاسمهما المشاكل المهنية والاجتماعية، وكذا السياسية· فهذه المرة تخلصت المخرجة من عقدة الرقيب، ونطقت برسالتها إلى رئيس الجمهورية وإلى الوزير، بعدما امتنعت عن قول ذلك في العرض الأول الذي سبق الثورة التونسية· أكدت مفتاحي أنها لم تغير شيئا من نص بن قطاف: ''لم أحذف أي جملة من مسرحية التمرين، بل لعبناها بشخوصها، فقط جعلت الشخوص امرأتين بدل رجلين وتركت المخرج رجلا··''، وتردف: ''بعد الثورة وجدت أن النص ينطبق على ما جرى لنا في تونس علما أن النص كتب في التسعينيات عن الجزائر''· منحت دليلة فرجة بصرية للمتفرج، وأجاد المكلف بالإضاءة استعمال الإنارة بإتقان تقني وفني، بينما توافق الدخان الصادر من سجائر الممثلتين مع خيوط الضوء، فتحوّل فعل التدخين إلى حركة فنية· الأجساد المبالغ فيها، لم تكن في نظر المخرجة ''تشويها للواقع''، رغم أنها كانت غير طبيعية، مبالغ في تشكيلها· لم تعق حركتهما، ووسط أربعة كراسي عالية، تحركت جليلة وحميدية، وارتفع حوارهما وصراعهما، وفي لحظة من العرض تحوّل الحديث عن الألم إلى ترتيل لمعاناة الفرد من قهر السلطة، سرد ليوميات المنع والحجز والرقابة، رافقتها صور حائطية، من الثورة التونسية، ما أعطى للمسرحية بعدا تجريبيا أضيف إلى الطابع الساخر الذي تحبذ مفتاحي استخدامه· عبّرت مفتاحي عن شعورها بالحرية، بعد رحيل النظام السابق، فهي تعرضت للرقابة أكثر من مرة، حتى أثناء تحضير ''التمرين'' في أحد البنايات القديمة، بعيدا عن عيون مراقبي البلدية· لكنها لا تحب أن ينغمس المثقفون والفنانون في السياسة: ''أعتقد أنه حان وقت الإبداع في المسرح التونسي لا يجب أن نطيل الحديث في الإبداع الآن·· لا يوجد رقيب''·