أكد الحقوقي علي يحي عبد النور أن المناضل المرحوم عبد الحميد مهري كان رجلا ''غير قابل للصدأ''، ظل حياته كلها وفيا لمبادئه معارضا صريحا ل ''السلطة الشخصية''، بدءا من مصالي الحاج إلى بوتفليقة. ودعا المتحدث إلى الإسراع في جمع كل الوثائق والكتابات التي تركها الراحل حتى لا تختفي وتصاب الذاكرة الجماعية بحالة نسيان إضافية. نبيلة سنجاق اعتبر علي يحي عبد النور، مسار المناضل والسياسي الراحل عبد الحميد مهري، ''صفحة من تاريخ الجزائر لا يجب أن تهمل'' حتى لا يمزقها النسيان، واستعجل في تدخله في فضاء ''ألف نيوز ونيوز'' مساء أمس الأحد، إلى ضرورة تعاون الأساتذة والمؤرخين لجمع كل ما كتبه مهري وما بحوزته من وثائق وملفات هي الآن بحوزة عائلته، حتى تصبح مادة قابلة للبحث والتحليل وتسهل مهمة كتابة أشواط غير معروفة من التاريخ الحديث للجزائر. كان مهري -حسب المتدخل- شخصا صريحا في مواقفه، ''إستراتيجيا وصاحب نظرة مستقبلية، واضحا وشجاعا، أفنى عمره في الحركة الوطنية، وبقي ينشط أثناء الثورة وبعدها''. كما نبه الحقوقي إلى أن الزمن سينصف مهري كثيرا، بحيث ستتوافق قراءاته للواقع السياسي الجزائري، وما ستعيشه البلاد إلى غاية الانتخابات التشريعية في ماي المقبل. كان مهري شخصية مثيرة للجدل طيلة حياته، رغم وجوده في قلب الحزب الحاكم جبهة التحرير الوطني، إلا أنه كان ضد أن تسير البلاد بتلك الطريقة التي تقصي أجزاء من الشعب: ''سعى جاهدا إلى جعل جبهة التحرير الوطني حزبا كغيره من الأحزاب، لأنه كان يفرق بين معنى الجبهة والحزب''، يوضح علي يحيى، قبل أن يضيف: ''كان يقول إن الجزائريين سواسية أمام القانون.. كان يفكر في الشعب أولا، ضد أي سلوك يهين أو يقصي فردا من الأفراد. في المقابل على كل واحد حزب كان أو حركة أو فرد أن يحترم القانون''. هذا الموقف فصل ?لاحقا- من خلال المناقشة، حينما تطرق المتدخل إلى آراء مهري في توقيف المسار الانتخابي سنة 1992: ''لم يوافق على إيقاف المسار الانتخابي وإقصاء حزب جبهة الإنقاذ آنذاك، كان يفضل أن تترك النتائج كما أسفرت عليه صناديق الاقتراع''. وقد شكلت هذه النقطة انزعاج أطراف متباينة، خاصة بعد مشاركته في اجتماع سانت إيجيديو بجولتيه: ''لما استحال علينا الاجتماع في الجزائر، اخترنا سانت ايجيديو، فاجتمعنا هناك مرتين، الأولى في نوفمبر ,1994 حيث طرحنا مشكلة حضور الفيس، ولم يعارض وجود عباسي مدني أو علي بلحاج، وقد انتهت الجولة الثانية بأرضية العقد الوطني التي دعت إلى وقف نزيف الدم، السلم، الدخول في مرحلة انتقالية وإعطاء السيادة للشعب بتركه يعبر عن اختياره.. كنا نريد إيجاد حل للمشكلة الجزائرية لكن الحكومة آنذاك وصفتنا بالخونة''. تذكر علي يحي عبد النور، في ذات السياق، كيف أن السلطات الجزائرية أهانت مهري في المطار، وسلبته جواز السفر الدبلوماسي، وعرضته لتفتيش مهين لحقيبته: ''على السلطة الجزائرية أن تعي أمرا هاما، هي أن لا تهين أبدا الشعب''، جملة كان يرددها مهري، وقد نقلها أيضا في الجلسات الاستشارية التي جمعت عبد القادر بن صالح بأحزاب وشخصيات وطنية، وقد قال له: ''انتم تسيرون على طريق متعرج.. بينما الطريق المستقيم والسريع هو السلم وتنمية البلاد''. لم يخف عبد الحميد مهري، رحمه الله، موقفه من العهدة الثالثة لرئيس الجمهورية، يقول الحقوقي: ''في 2008 عندما طلب بوتفليقة بعهدة ثالثة، اعترض مهري على المسألة، فاجتمعنا في بيتي، وحررنا بيانا من ثمانية أسطر، بحثنا له عن موقعين، لم يكن ذلك سهلا، وكان مهري يصف تلك الخطوة بالانقلاب دستوري''. تاريخيا، شدد علي يحي، على أن مهري لم يكن يخوض في مسألة صراع الهوية، خاصة بعد نشوب الأزمة في ,1949 وكان يفضل أن يتعامل مع غيره بصفته ''جزائريين وفقط''، ولا يهتم بانتمائهم لأصول أمازيغية أو عربية، علما أن أفكاره تلك تعارضت مع أفكار حسين آيت احمد، حينما التقيا في سانت إجيديو، والتي لم تفصل إلا بتدخل قادة الفيس المحل الذين أكدوا بدورهم على أهمية أن يلتفت الجزائريون إلى أصولهم بكل مشاربهم دون إهمال أي عنصر من عناصر الهوية.