مهري كان رجل جمع وحوار وهو بئر عميقة جدا من المعلومات أجمعت شهادات سياسيين و مناضلين وأساتذة وباحثين جامعيين على أن الراحل عبد الحميد مهري كان يتمتع بنظرة ثاقبة للأشياء وبإستراتيجية وتكتيك، وان الرجل كان دائما جامعا للجزائريين وكرس حياته كلها من أجل عدم إهانة أو إقصاء أي جزائري تحت أي مبرر كان، وقال هؤلاء أن مهري بئر عميقة جدا من المعلومات وانه لا يزال مجهولا للكثيرين. قدّم كل من علي يحيى عبد النور الرئيس الشرفي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، وكريم طابو السكرتير الأول السابق لجبهة القوى الاشتراكية والأستاذ الجامعي مصطفى نويصر في لقاء أمس بالعاصمة شهاداتهم عن الراحل عبد الحميد مهري الذي غادرنا قبل أسبوع فقط بحكم أن ظروفا مختلفة سمحت لكل واحد منهم من التقرب من الرجل والعمل معه. وهكذا قال علي يحيى عبد النور في البداية انه عرف الفقيد قبل أكثر من خمسين سنة ووصفه بأنه "رجل كان يملك رؤية وإستراتيجية وتكتيك"، وقال انه من ذلك الصنف من البشر "إذا تكلم أثر وإذا استمع حصّل" كلامه دائما موزون وقد كرس حياته كلها من اجل الجزائر. ويواصل عبد النور حديثه عن مهري فيقول انه كان "معلما حقيقيا في تاريخ الجزائر" وانه ينطبق عليه المثل الجزائري الذي يقول "أن الأسود لا تموت"، وبعد أن استعرض مساره النضالي الطويل منذ بداية خمسينيات القرن الماضي عندما كان عضوا في اللجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية قال انه بحكم منصبه في الاتحاد العام للعمال الجزائريين خلال الثورة تعرف على مهري الذي كان وزيرا في الحكومة المؤقتة مكلف بحقيبة الشؤون الاجتماعية والثقافية ومن ذلك الوقت نسجت بينهما علاقات متينة إلى غاية وفاته. ثم تحدث علي يحيى عبد النور عن ظروف الذهاب إلى سانت ايجيدو فقال أن الأوضاع في ذلك الوقت داخل الجزائر كانت جد متدهورة حيث الاغتيالات اليومية لمواطنين جزائريين لذلك تقرر الذهاب نحو روما للبحث عن حل للأزمة الجزائرية، وأضاف أن العمل خلال اجتماعي سانت ايجيدو كان شاقا ومكثفا ومضنيا، وان مهري لم يدخر أي جهد من اجل حقن دماء الجزائريين وإيقاف العنف المتصاعد، وروى انه بعد العودة من الاجتماع الثاني الذي تم خلاله التوقيع على وثيقة العقد الوطني يوم 14 جانفي 1995 وبعد نزولهم في مطار هواري بومدين تم سحب جواز السفر الدبلوماسي الذي كان يملكه مهري وكذلك أخذت منه حقيبته الخاصة، ومستنكرا هذا الفعل شدد المتحدث على انه لا يجب أبدا أن يهان أي جزائري تحت أي مبرر وهو المبدأ الذي كان يدافع عنه مهري طيلة حياته. وبالنسبة لعبد النور فإن مهري لما استدعي من المغرب حيث كان سفيرا مباشرة بعد أحداث أكتوبر 1988 وكلفه الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد الآفلان أراد أن يجعل من هذا الأخير حزبا حقيقيا، ليخلص إلى انه يجب الانتباه جيدا لشيئين اثنين قام بهما مهري قبل وفاته والاعتبار منهما، وهما الرسالة التي وجهها لرئيس الجمهورية في 17 فيفري من العام الماضي والتي اطلع الرأي العام على محتواها في ذلك الوقت، وكذا ما قاله لعبد القادر بن صالح رئيس هيئة المشاورات السياسية خلال استقباله. من جانبه قال كريم طابو السكرتير الأول السابق لجبهة القوى الاشتراكية خلال ذات اللقاء الذي عقد بمقر جريدة الجزائر نيوز انه شرف كبير له أن يتكلم عن مهري الذي تعرف إليه لأول مرة سنة 1994، ولدى استعراض ظروف العمل مع الفقيد خلال التحضير للعقد الوطني منتصف التسعينيات أوضح طابو أن مهري كان يتمتع بصفات "الإقناع والمسؤولية" وانه كان دائما يوصيهم بالبحث عند الأطراف الأخرى حتى التي يختلفون معها عن الأشياء الايجابية التي تمكن للحوار والتفاهم، وكان يقول لهم أيضا "يجب دائما أن تغرسوا لان ذلك معناه بناء المستقبل". وبالنسبة لطابو فإن الراحل كان رجل جمع ولم وكانت له خاصية مميزة في البحث عن الحلول عندما تواجه البلاد مأزقا ما حيث كان يوصي دائما بالبحث عن مساحات للتفاهم مهما كان الأمر، ليقول أن "وفاته كانت أيضا درسا حقيقيا" لأنها جمعت كل التيارات والأجيال والمتناقضات. أما الأستاذ والباحث مصطفى نويصر وبحكم عضويته في المؤتمر القومي العربي تعرف إلى عبد الحميد مهري سنة 1995، وفي شهادته تحدث عن بعض الجوانب في نضال مهري على المستوى المغاربي والعربي وقال بصريح العبارة انه أدهش بما يملكه الرجل من معلومات عن الحركة الوطني وعن العرب "هو بئر عميقة جدا جدا من المعلومات" وأضاف انه فاتحه قبل وفاته في موضوع كتابة مذكراته فقال له" ماذا سأقول وماذا سأترك" وهي إشارة إلى الكم الكبير جدا من المعلومات التي كان يملكها الرجل. وبعد أن استعرض علاقاته الكبيرة والمتشعبة جدا على مستوى أقطار المغرب العربي قبل الثورة التحريرية وأثناءها، وكذا على مستوى الوطن العربي بعد أن عينته الثورة ممثلا لها في المشرق قال نويصر أن "عبد الحميد مهري لعب دورا كبيرا جدا في النضال على مستوى المغرب العربي" لا تزال غير معروفة لحد الآن، وكذا على المستوى العربي وقد أعد قبل وفاته مشروعا لتطوير آليات عمل المؤتمر القومي العربي ستناقش خلال دورة هذا الأخير الربيع المقبل، وانتهى الأستاذ نويصر إلى أن الرجل فعلا غير معروف وقد قام بأشياء كبيرة وكثيرة جدا.