كان ذلك في بداية ثمانينيات القرن الماضي، عندما أعاد القارئ المعرّب اكتشاف جوانب من ذاته الثقافية بعيون سوسيولوجي متميز اسمه ''عبد القادر جغلول''، عن طريق كتابيه المرجعيين ''تاريخ الجزائر الحديث - دراسة سوسيولوجية''، و''الإشكاليات التاريخية في علم الاجتماع السياسي عند ابن خلدون''، وقد صدرا في طبعتين جميلتين عن دار الحداثة في لبنان بترجمة فيصل عباس ومراجعة خليل أحمد خليل· وساهم الكتابان في تشكيل وعي جيل من القراء المعربين في الجزائر وقراء العربية عموما في مفهوم السوسيولوجيا الجزائرية· والباحث عبد القادر جغلول قبل ذلك وبعده، ورغم قيمته العلمية الكبيرة ظلت جهوده حكرا على القارئ المفرنس، مثله مثل الكثير من الباحثين الذين راحوا ضحية ''الانقسامية'' اللغوية بتعبير بعض السوسيولوجيين الجزائريين المعاصرين· إنها ''الانقسامية'' التي يبدو أنها تغلبت على بعض الجهود الطبية عندما بقي الكثير من التراث العلمي الجزائري حكرا على هذه اللغة أو تلك، وتواصل هذا السياج الذي تحوّل إلى ما يشبه الجدار· لكننا نحاول -على الأقل- إحداث ثقب في الجدار، ونستعيد ذكرى السوسيولوجي الكبير عبد القادر جغلول الذي رحل عن عالمنا قبل سنتين، ويكاد يُنسى الآن، رغم جهوده العلمية الكثيرة التي قدمها للثقافة وللشخصية الجزائرية· وتكمن قيمة هذه الشهادة الإنسانية في كاتبها، وهو الناشر السابق لبعض كتب جغلول باللغة العربية ومدير ''دار الحداثة'' اللبنانية للنشر، من أجل قراءة تراث هذا الباحث الذي يشكل محاولة جريئة في فهم الشخصية الثقافية الجزائرية في التاريخ المعاصر· هي دعوة للنقاش، ودعوة أخرى للتجسير الضروري من أجل إنهاء ظاهرة ''الانقسامية'' اللغوية التي تحوّلت إلى انقسامية ثقافية حقيقية·