توفي، أمس، الفريق المتقاعد وقائد أركان الجيش الوطني الشعبي السابق محمد العماري، بعد وعكة صحية مفاجئة، عن عمر يناهز ال 75 سنة· وحسب شقيق الراحل خالد العماري، فإن الفريق محمد العماري نقل على جناح السرعة من مقر سكنه ببرج بن عزوز التي تبعد 40 كلم جنوب غرب ولاية بسكرة إلى مستشفى محمد زيوشي بمدينة طولقة ببسكرة، وهناك لفظ أنفاسه· ولد العماري في جوان 1939 بالعاصمة، وتربى في الحي الشعبي المحاذي للقصبة المعروف ب ''سوسطارة''· ينحدر من عائلة نشأت بمنطقة بسكرة، انخرط في صفوف الجيش الفرنسي في فترة الاستعمار وتلقى تكوينه الأولي كضابط في سلاح الفرسان بالمدرسة الحربية ب ''سومور'' بفرنسا· التحق العماري بصفوف جيش التحرير الجزائري في سنة ,1961 واستفاد بعدها من تكوين في سلاح المدفعية بالأكاديمية العسكرية ب ''فرونز'' بالاتحاد السوفياتي سابقا، ودرس أيضا في المدرسة الحربية بباريس· ترأس العماري في نهاية الثمانينات، المدرسة العسكرية لمختلف الأسلحة، وأشرف على وحدات قتالية· كان عضوا في مكتب العمليات برئاسة الأركان إلى غاية .1988 بعدها ترأس القيادة العسكرية الخامسة· على مدار أكثر من 10 سنوات على رأس قيادة أركان الجيش الوطني الشعبي، منذ جويلية ,1993 كان اسم الفريق محمد العماري لا يعني سوى عبارة واحدة هي سياسة الكل الأمني التي اصطلح على تسميتها سياسيا ب ''الاستئصالية'' لمواجهة الإسلاميين المسلحين، ليس الأمر صدفة، فحين انفجار الوضع الأمني، كان للعماري قيادة كتيبة قوامها 15 ألف جندي، مهمتها القضاء على الجماعات المسلحة في مهدها، وهي المهمة التي تولاها مباشرة بعد مغادرته لقيادة القوات البرية الوظيفة التي فتحت له مثلما فتحت لمن شغلها قبله باب قيادة وزارة الدفاع، مثل الجنرال خالد نزار والجنرال اليمين زروال الذي أصبح رئيسا للجمهورية سنة .1995 حتى بعد وصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي كان محمد العماري أحد الذين وافقوا على قرار ترشيحه تحت اسم ''رجل الإجماع'' الذي جاء ''بالوئام المدني''، بقي الراحل متمسكا بهذا الكل الأمني إلى غاية إعلان المؤسسة العسكرية، على لسانه، انسحابها من المشهد السياسي، سواء كان ذلك فعليا أم لا، حين أكد في حوار مع مجلة ''لوبوان'' في 17 جانفي 2003 إن ''العسكر لن تكون لهم يد في صناعة رئيس البلاد، وأن المؤسسة ستقبل بأي رئيس يفرزه الصندوق، حتى وإن كان جاب الله''· كان هذا الحوار وهذه العبارة آخر تصريح سياسي للفريق محمد العماري، بعدها لم يسمع عنه سوى من خلال المضاربات الإعلامية القائلة بأن التيار لم يمر بينه وبين الرئيس بوتفليقة، إلى أن كانت انتخابات ,2004 فاز فيها الرئيس بوتفليقة بعهدة ثانية بعد لعبة إعلامية كبيرة أكدت سلفا فوز المترشح علي بن فليس فوزا كاسحا· ولم تمر أسابيع عن العهدة الرئاسية الثانية ليعلن بيان من رئاسة الجمهورية، بثته وكالة الأنباء الجزائرية، في 3 أوت 2004 أن ''الرئيس عبد العزيز بوتفليقة القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع استقبل الفريق محمد العماري قائد أركان الجيش الذي قدم له استقالته لأسباب صحية''· وإن كانت الأخبار قد خرجت قبل الإعلان الرسمي عن الاستقالة في 27 جويلية، قال هو إنها استقالة لأسباب شخصية، بينما قالت صحف إنه استقال لخلافات بينه وبين الرئيس وقالت صحف أخرى، إنما دفع إلى الاستقالة· من صدف الأقدار أن الراحل الفريق العماري الذي سطع شخصه في الواجهة العسكرية والسياسية للبلاد لانتمائه إلى الجانفينيين الذين قرروا وقف المسار الانتخابي الذي كان سيؤدي إلى وصول الجبهة الإسلامية للإنقاذ قبة البرلمان، يتخذ -بعد خروجه من المؤسسة العسكرية- دولة قطر وجهة للذهاب والإياب بينها وبين الجزائر، وهي الدولة التي كانت وجهة رئيس هذا الحزب المحل، مباشرة بعد خروجه من السجن العسكري·