إن الحديث عن رجل الثلج المستمر في الإدهاش كأسطورة لا يمكن أن يفهم في دوائر ضيّقة بعيدا عن تفسيرات علماء النفس والاجتماع والأنثربولوجيا، بعيدا عن الدوائر المترابطة الاختصاصات(Multidisciplinarité ) .. إننا نتعامل مع حكاية موروثة مما قبل التاريخ، لذلك فإنه يتوجب علينا الحذر من إطلاق تفسيرات عامة بعيدا عن السياقات التاريخية.. هل الأمر هنا يتعلق بالنوع ''بشر، حيوان، نبات'' أم الجنس ''رجل الثلج / سيدة الثلج''؟ هل الأمر متعلق باستثمار نفسي عاطفي ''النحت كمخرج للفن'' أم هو أكثر من ذلك قد يكون عبارة عن عودة لمرحلة المرآة بوصفها مشكّلة لوظيفة ضمير الذات كما تظهر لنا وتتكشّف؟.. 1 - خرج معظم الجزائريين بعد موجة تساقط الثلوج فرحين مبتهجين، وكغيرهم من البشر على هذه المعمورة مارسوا طقوس الاحتفال بسقوط الثلج، حيث صنعوا تماثيل لرجل الثلج والدب القطبي وكل ما خطر على بالهم تعبيرا منهم عن حالات نفسية مختلفة لأمزجة مختلفة ''لنعتبر كل ما صنع بالثلج رجل ثلج حتى نستطيع قراءة المشهد''. كلعبة للمرح والبهجة راح الجزائريون يمثلون ما يجول في خواطرهم وما يختلج صدورهم، بكل عفوية ودون نوايا مسبقة نحتوا وصوّروا وتسابقوا، وأخذوا صورا للذكرى على الرغم من تحريم العقل الغيبي الجزائري لهذه الأفعال، لأنه في اعتقاد الكثيرين وفي أعرافهم يعتبر تمثيل ذوات الأرواح محرّما مهما كانت صفة التمثيل ''طين، خشب، حديد، نحاس، ثلج...''، طبعا لن يكون هذا موضوعنا إنما كان للإشارة والإحاطة بالموضوع. 2 - يقول يونغ: ''النماذج البدئية هي العناصر الخالدة للاّوعي، ولكنها تغيّر شكلها باستمرار'' (i). يعتبر رجل الثلج نموذجا يساعد على نقل المعنى، يكشف ويعرّي حقيقة المشاعر الإنسانية، كما يشجّع على لمس خرائط اللاّوعي الموجودة لدينا جميعا. إننا أمام تعابير لا واعية لذواتنا مثلما قال يونغ، نحن أمام تمثيلات للأشياء لا تمثيلات للكلام.. بتواصل تساقط نُدْفات الثلج يتشكّل البساط الأبيض كصفحة بيضاء تغري بالخربشة والكتابة عليها، هناك ما يشبه الصفحة البيضاء الواسعة الفسيحة التي تسع الكلّ، والإنسان يصبح مدعوا للتعبير عن ذاته بكل حرية، دون قيد أو شرط.. كأننا أمام اختبار إسقاطي جماعي، كأننا بصدد تطبيق اختبار تقنيات قياسية تحدد المواقف النفسية الدلالية لدى المفحوصين الذين يستسلمون لأحلام متخيلة وأفكارا منبعثة انبعاثا حرّا، انطلاقا من مواد عائمة، مُبهمة وغير مكتملة البناء. حتى نفهم جيدا سنعطي مثالا للمقاربة، ولنختار اختبارجودنوف هاريس لرسم الرّجل نموذجا، في هذا الاختبار نطلب من الأشخاص المفحوصين أن يرسموا رجلا يعرفونه، عليهم أن يرسموا أحسن ما يستطيعون، وإذا شاءوا تلوينه فلهم ذلك ''مصمم الرجل الثلجي يلجأ إلى تزيينه أحيانا كما قد يتركه واضح المعالم على سريرته، وقد يجمع بين بعض التفاصيل والتجريدية''. لقد قام علماء النفس بتصميم هذه الاختبارات والمقاييس الإسقاطية حتى تمكنهم هذه الأخيرة من معرفة العوامل الإبداعية والعلاقة التي يمكنها أن توجد ما بين الإبداع والجنون، عندما يرسم أحدهم رجلا، فهو يعبّر عن إسقاطاته الذاتية وتوتره وقلقه، هو يرسم نفسه كما يريد ويتمنى وكما لا يريد ويتمنى. 3 - إذن نحن أمام ما يشبه عمل الحلم (Travail du rêve)، حيث تتجه مجمل العمليات إلى تحويل مواد الحلم إلى منتج ''رجل الثلج''، كأن مصمم رجل الثلج يستحضر في ذهنه صورة قادمة من ساحة اللاوعي ويحيلها للواقع، من الخيالي إلى الواقعي تمر عملية تجسيد فكرة رجل الثلج، مستخدما أواليات التّكثيف، الإزاحة، قابلية إعادة التصوير والإرصان الثانوي، هنا قد يتميز مصمم رجل الثلج بالابتكار ولا يقتصر على تحويل المواد كما يحدث في الحلم. 4 - أن نعبّر هو أن نترجم ما نشعر به دون أن نسمي، لذلك فإن تفسير الوظيفة الرمزية لرجل الثلج يحتاج إلى أكثر من قراءة، قد لا نوفي الموضوع حقه من التحليل والدراسة إذا ما أشرنا له على سبيل القراءة السريعة للظاهرة، لكننا بهذا سنفتح بابا للنقاش الهادف والبناء لإثراء البحث عن إجابات شافية وكافية لهذا الرمز الذي يتحدانا جميعا ويبُهرنا صناعه بما يحمله من دلالات وغنى كبير في المعنى، حيث لا يتعلق الأمر باستثمار نفسي عاطفي وحقيقة عاطفية معقدة لا نستطيع مفهمتها ''النحت كمخرج للفن'' إنما أكثر من ذلك، حيث يتكشف رجل الثلج كرمز يمثل عنصرا بديلا غنيا بالمعاني والتعبيرات، بل هو جوهر الفكرة أو الشيء الذي يمثله. إن الأمر يتجاوز إلى عودة لمرحلة المرآة بوصفها مشكِّلة لوظيفة ضمير الذات كما تظهر لنا، قد يكون لملمة لأجزاء وأشياء الذات المتشظية، قد يكون تحقيقا لهروب محتمل من الرقابة في ظل حالة اغتراب وهوية مغتربة، قد يكون تلاشيا للآخر والتحاما به في صورة المرآة التي هي صورة رجل الثلج في الحقيقة. لقد حان الوقت لنستمع إلى صرخات وعذابات الإنسان فينا، إننا أمام المدارس المفتوحة أمامنا نجد أنفسنا فقراء جدا وأغنياء جدا، فقراء لأننا لم نستثمر في محيطنا ونكتشف ذواتنا ونعرف أنفسنا، وأغنياء لأن ما أودعه الخالق فينا من أسرار يكفي لنعيش هذه الرحلة الحياتية سعداء أو قريبين جدا من اليوتوبيا التي نحلم بها.