احتفلت الولاياتالمتحدةالأمريكية بالأمس بشكل تأبيني بمناسبة الذكرى الثامنة لوقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر ,2001 والتي راح ضحيتها حوالي 3 آلاف مواطن أمريكي وسائح تصادف وجودهما بمركز التجارة العالمي بمدينة نيويورك· الذكرى تحمل الكثير من الدلالة، وبعيدا عن الجانب الإنساني والنفسي لعائلات الضحايا، فإن القراءات الأخرى تحمل الكثير من الاختلاف في وجهات النظر حول تقييم حصاد الثمانية أعوام الماضية التي صرفها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في ملاحقة ''المتهمين بالتفجيرات'' وإعلان ما يسمى ب ''الحروب الاستباقية'' ضدهم· وبعد حربين خاضتهما الولايات ا لمتحدة الأمريكية رفقة بعض الحلفاء الغربيين، من أجل القضاء على تنظيم القاعدة الذي كان يرابط في أفغانستان، لم يكن أحدا يتوقع (بعد مرور ثمانية أعوام كاملة) أن يكون تقدير الإدارة في واشنطن، وعلى لسان رئيس هيئة الأركان مايكل مالن، أن التنظيم الذي يقوده بن لادن ''ما زال يملك قدرة كبيرة على مهاجمة الولاياتالمتحدة وهو ''يركز جهوده بكثافة على هذا الهدف''· هذا التصريح / التقدير وإن لم يكن جديدا بالنسبة للمتابع للشأن اليومي فيما يتعلق بالأوضاع في أفغانستان، فإن مجرد التفكير بتجرد حول حرب تقودها أعظم إمبراطورية في التاريخ ضد ''جماعة معزولة صغير العدد والعدة'' ترابط على بُعد آلاف الأميال من جغرافية الولاياتالمتحدة··واكتشاف أن هذه الجماعة وبعد ثمانية أعوام لا تزال تمثل خطرا بل ربما أكثر خطورة وقوة من قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر ,2001 لهو أمر يدعو لإعادة النظر والتقييم في الخطوات والإجراءات التي اتخذت بغرض القضاء على هذا التنظيم الإرهابي، والتأكد عن مدى نجاعة ليس الآليات، فحسب بل حتى الاستراتيجيات الرئيسية لما يسمى الحرب العالمية على الإرهاب· فالقاعدة التي تعد التنظيم الأم لمعظم ''الحركات الأصولية المسلحة'' لم تكن قبل الحرب على أفغانستان بأقوى مما هي عليه الآن، كما أن قوات التحالف المرابطة في كابل لم تضمن حتى الآن عودة الحياة الآمنة للأفغان، فضلا عن أن تقضي على هذا التنظيم الذي رُوجًّ أنه يتشكل من بضع مئات يختبئون في جبال ''تورا بورا''· وبالعكس من ذلك، فإن الحرب ساهمت في تفريخ القاعدة إلى عدة ''قواعد'' إن صحت التسمية، حيث تحول التنظيم إلى شبكة من الحركات الإرهابية الصغرى التي ترفع اسم القاعدة والمشتتة في آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا، وهناك مخاوف حقيقية من أن تجد موطأ قدم جديدة في دول تشهد اضطرابات مثل الصومال، حيث لا وجود لدولة مركزية مسيطرة، أو اليمن حيث شهد مؤخرا اضطرابات ضربت في صميم النظام·· فضلا عن باكستان التي ظلت في منأى عن الاضطرابات الخطيرة إلى أن تم تصدير ''تجربة طالبان'' التي دُفعت نحو الحدود المشتركة بين البلدين، وشهدنا أحداثا في قمة الخطورة في إقليم سوات· ذلك دون الحديث عن العراق الذي أصبح ملاذا جديدا للقاعدة وغيرها من الحركات الأصولية السنية والشيعية مجهولة الهدف والرؤية، والتي ولدت عقب الغزو الأمريكي الذي أسقط نظام الحكم شبه العلماني الذي كان يقوده صدام حسين· وعوض أن يكون العراق ''النموذج الديمقراطي المحتذى به'' في المنطقة، كما بشر بذلك المحافظون الجدد في البيت الأبيض أصبح العراق ''الكابوس'' الذي يخشاه الجميع·· بما في ذلك الشعوب المضطهدة التي لم تكن ترى غضاضة من إمكانية التعاون الدولي في ضمان تحول ديمقراطي داخلي·· فأصبحت تقلب الأمر آلاف المرات قبل اتخاذ أي موقف يقود البلدان إلى ''كابوس العراق'' الذي أعاد أهل الرافدين إلى القرون السحيقة· هذا بعيدا عن ''الادعاءات الكاذبة'' التي صاغتها إدارة بوش لتبرير الحرب أولا ثم استمرت في ترديدها والمتعلقة بأسلحة الدمار الشامل· الآن، وقد تعهد أوباما بسحب قواته من العراق دون ضمان أي من تلك الوعود المعسولة·· لا يمكن على المراقب أن يقيّم تجربة الثمانية أعوام إلا بمزيد من الأسى·