يستبعد الكثير من المحللين فكرة الحرب ضد إيران،على الأقل في الوقت الراهن، ويرجعون ذلك إلى عوامل منها، الأزمة الاقتصادية العالمية التي تهدد الاقتصاد العالمي، وانسحاب أمريكا من العراق، وربما من أفغانستان في القادم من الأيام، وتَوَجّه إدارة أوباما إلى تكريس فكرة السلام من خلال الإصلاحات الاقتصادية والسياسية في العالم، ناهيك عن السنة الانتخابية الأمريكية، وما يصاحبها من عمليات الشد والجذب بين المرشحين، مما يجعل فكرة الحرب بعيدة عن تفكير صاحب القرار الأمريكي. وربما هذه العوامل هي التي جعلت إيران عندما تلقت صفعة العقوبات الاقتصادية، تُصعد في لهجة خطابها، بتهديدها الغرب بإغلاق مضيق هرمز الذي يُعد في نظر العالم الغربي ا شريان الحياةب، ووعيدها لدول الخليج في حالة إذا ما رضخت هذه الدول إلى الطلب الغربي بزيادة الإنتاج النفطي، بإثارة المشاكل والقلاقل عن طريق الأقليات الشيعية في دول الخليج خاصة السعودية والكويت على غرار ما يحدث في البحرين. يتعلق العقل الإيراني الحاكم بالعديد من الأوهام التي جعلته يهدد الغرب والعرب معاً، فهو يهدد أمريكا، ويطلب منها سحب قواتها من الخليج، وفك ارتباطها بالمنطقة نهائياً، ويهدد العرب (الضعفاء) بضرورة التعاون مع إيران والالتفاف حولها، كقائد للمنطقة من هذه اللحظة، لحظة سقوط قوى، وبزوغ أخرى، بما أنها تملك القوة، وأنتم أيها العرب تملكون الثروة. أوهام إيران 1 إن أمريكا في حالة ضعف وانحدار، والشاهد على ذلك الانسحاب المفاج من العراق، والمفاوضات جارية مع الطالبان في أفغانستان لبناء مرحلة جديدة قائمة على التفاهم والسلام، كما أنها تفكر بجدية في سحب قواتها المتمركزة في أوروبا، حيث قامت بخفض قواتها المقاتلة ب 7 آلاف من أصل 81 ألف عسكري، فهذا وفق التفكير الإيراني دليل على تراجع قوة أمريكا، هذا التراجع الذي يشهد بزوغ قوى عالمية جديدة، تهيمن على العالم، وترسم معالم الحاضر، واستراتيجيات المستقبل. 2 السلاح النووي: كل ما سبق يفسر لنا السر في سباق إيران مع الزمن في تخصيب اليورانيوم، وإنتاج القنبلة النووية، فهذا السلاح -كما يتوهم العقل الإيراني- يجعل الغرب ترتعد فرائصه من إيران التي تصبح قوة نووية جديدة في العالم، تزاحم الكبار على اقتسام الكعكة العالمية، وخاصة منطقة الشرق الأوسط الزاخرة بالثروة النفطية. 3 يتوهم العقل الإيراني الحاكم أيضا بأن الاقتصاد العالمي يعاني أزمة، وأي هجوم عليها يؤدي إلى ارتفاع سعر النفط، مما يزيد من تدهور الاقتصاد أكثر، مع أن الأزمة الاقتصادية العالمية عام ,1929 قد أدت إلى نشوب حرب في عام ,1939 الحرب التي امتدت شظاياها إلى العالم كله. أما فيما يخص النفط، فإن دول الخليج تغطي العجز. اللحظة الأمريكية منذ وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض، تغيرت الاستراتيجية الأمريكية التي كانت قائمة على امبدأ الحرب على الإرهاب'' في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن، مما جعل أمريكا عُرضة لحملة شعواء، وانتقادات كبيرة في الداخل، وفي الخارج، حيث أصبح رصيدها في حقوق الإنسان، وفي مجال الحريات، شبيهاً بالديكتاتوريات المزروعة في العديد من مناطق العالم، لأجل ذلك أراد أوباما أن يغير من السياسة الأمريكية بنقل اهتمام الإدارة من الخارج إلى الداخل، أي أولوية الداخل على الخارج، وذلك بالاهتمام بالأوضاع المعيشية للشعب الأمريكي، بتحسين الخدمات الصحية، والتقليل من البطالة، وتخفيف الضرائب.. نتاج ذلك نأت أمريكا بنفسها عن العالم الخارجي، ودخلت في شبه عزلة، وأصبح دورها دبلوماسياً بالدرجة الأولى (كما حدث خلال الثورة الليبية)، إلا أن هذا التغيير ليس أبدياً، بل هو ظرفي/ استراتيجي، نتيجة السخط الشعبي المتزايد، خاصة المناطق التي يقطنها السود والأعراق الأخرى التي تعاني التهميش واللامبالاة. للإشارة، فإن هذه من العوامل التي ساعدت أوباما الرجل الإفريقي الأسود في الوصول إلى الرئاسة، وولوجه البيت الأبيض (سمي البيت الأبيض ليكون قاصراً على البيض فقط، أما السود فيمنع دخولهم)، وكذلك تعيين اليون بانيتاب وهو من أصل مكسيكي على رأس وزارة الدفاع، الغرض من هذا كله التخفيف من حدة الغضب، ومن شدة التذمر، لأنه إذا زاد واستفحل أدى إلى تهديد كيان الدولة الأمريكية من الداخل. والسؤال المطروح، أنتماشى مع الأوهام الإيرانية، ونقول بأن اللحظة مواتية للانقضاض على الفريسة الأمريكية، أم القول بأن أمريكا بدلت استراتيجيتها، وأن أي خطأ من هنا أو هناك، سيساعد الإدارة الأمريكية على إخراجها من عزلتها، والعودة بها إلى سابق عهدها؟ مضيق هرمز بيرل هاربر جديدة التاريخ سيعيد نفسه، كيف ذلك؟ لأن أمريكا بحاجة شديدة إلى من يغير سياستها، ويخرجها من عزلتها المؤقتة، فهي لا تستطيع أن تعيش دون التدخلات العسكرية، وشن الحروب، لكنها حروب ضد دول ضعيفة، وليست ضد دول قوية، فقبل الحرب العالمية الثانية كانت أمريكا تعيش حالة من العزلة أو الحياد، وفق التقاليد السياسة الأمريكية التي صاغها المؤسسون الأوائل، ومعنى ذلك أن الولاياتالمتحدة تبقى على الحياد في ما يخص جميع القضايا السياسية الخارجية، والالتزامات الدولية من أي شكل كانت، التي قد تجور على تصرفات الشعب الأمريكي الحر، أو تفرض حكمها على حكمته وحكمه، وبما أن الأمريكي يحب المغامرة خارج الحدود باحثاً عن امتيازات جديدة، وثروات أخرى، توقف شغفه ولو لفترة من الوقت، إلا أن هذا الشغف يقف في وجهه ضرورات السياسة الخارجية المبنية على العزلة والحياد مما يجعل المشاركة في الحرب من الأحلام التي يصعب تحقيقها، إلى أن جاءت حادثة ابيرل هاربرب، لتوفر للإدارة الأمريكية المبررات من أجل تغيير التقاليد السياسية، فالاعتداء على الأسطول البحري في جزيرة هاواي، هو اعتداء على أمريكا، والاعتداء هو إعلان حرب، وهذا يستوجب الرد على المعتدي الياباني، وإعادة الاعتبار للكرامة الأمريكية المجروحة. والمسكوت الذي لا يذكره إلا القليل من المؤرخين حول حادثة ابيرل هاربرب هو أن الرئيس الأمريكي افرانكلين روزفلتا كان يتشوق للدخول في الحرب، لذلك تعمد ترك قواته البحرية في جزيرة هاواي معرّاة من كل حصن لتكون هدفاً سهلا، وصيداً سهل المنال، كما تذكر التقرير بأنه جرى السكوت عن اقتراب المقاتلات اليابانية حتى تغدو المشاركة الأمريكية محتومة في النزاع. نعم، أمريكا في الأربعينيات من القرن الماضي هي قوة صاعدة تنافس الكبار على زعامة العالم، غير أمريكا اليوم التي تآكلت قوتها، وتراجع اقتصادها، بفعل الحروب التي خاضتها، إلا أنها تبقى القوة المهيمنة على العالم، من خلال القدرة المالية التي تنفقها على الدفاع عن مصالحها، حيث تقوم بإنفاق أكثر من 700 مليار دولار سنوياً في مجال الدفاع، كما أن نفقات الجيش الأمريكي تصل لضعف النفقات الإجمالية لكل من الصين وروسيا والهند والبرازيل وفرنسا وبريطانيا مجتمعين، وقد جاء الرد على تهديدات إيران من وزير الدفاع الأمريكي بأن واشنطن مستعدة تماماً عسكرياً، إذا أغلقت إيران مضيق هرمز، ومن إسرائيل يدعو رئيس الأركان الأمريكي الحلفاء القلقين إلى الوحدة لمواجهة التحديات المشتركة. فهل يكون مضيق هرمز بيرل هاربر جديدة؟ بالنظر إلى ضجيج الكلمات من الطرف الإيراني، واللهجة التصعيدية ضد الغرب، والتهديدات المتوالية بإشعال حرب إقليمية تمتد من لبنان إلى سوريا مروراً بدول الخليج إلى اليمن، ورسائل إسرائيل للعالم بين الحين والآخر عن الخطر الذي تشكله إيران في المنطقة، وعلى العالم، وإخراج الملفات العالمية العالقة كالقضية الفلسطينية بإحياء مفاوضات السلام من جديد بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، كلها تنب بأن المعركة قادمة لا محالة، وأن التاريخ سيعيد نفسه، ولكن هذه المرة بطريقة هزلية ومبكية. وفي الأخير التساؤل المطروح، هل تُقْدِم إيران على إغلاق مضيق هرمز، وبذلك تُعْطي الغرب المبررات لقيام حرب جديدة، حرب تكون وقودها المنطقة وشعوبها، أو أنها تغلب صوت العقل والحكمة، فتخفف من حدة التهديدات، وتسكت صوت السلاح، بمنح الدبلوماسية الفرصة للقيام بدورها في تلطيف الأجواء، وإعادة الثقة بين الطرفين، الأيام القادمة كفيلة بتقديم الجواب.