وأخيرا يقرر سعيد سعدي رمي منشفة الحزب السياسي الذي مارس من خلاله سياسته العرجاء ، التي جعلت منه زعيما من ورق ودكتاتورا يريد بسط الديمقراطية على مزاجه الخاص· نهق حماري اللعين الذي لم يتوان يوما في إظهار قرفه من ديمقراطية سعدي وقال: هذا الرجل تفنن طول فترة رئاسة حزبه بسياسة منع الناس من التدخل فيما يخصهم· قلت له ضاحكا: وأنت لم ترحمه يوما من لسانك الفظيع الحاد· قال ساخرا: هو من جعل نفسه في طريق لساني بخرجاته الغريبة وأفكاره التي أبعدت حتى من كانوا يرونه رجل العصر، ليكتشفوا فيما بعد أنه أيضا مجرد قراقوز تحركه الدوائر ولا يمكن أن يخرج عن الدائرة ببهلواناته· قلت: ديغول قال: إن رجل السياسة الحق هو ذلك الذي على استعداد للمخاطرة من أجل قناعته التي يدافع عنها''، ياترى أي مخاطرة تلك التي ركبها سعدي وأمثاله في السيرك السياسي الذي ملأ بالبهلوانات على أخره؟ قال حماري وهو يضرب بذيله الطويل: كلهم في حلبة الفساد، والمفهوم العام للسياسة لا يمكن أن يخرج على أنها تجمع كبير للفساد· قلت: سعدي الذي قرر التخلي عن زعامة الحزب وقرر أن يبقى مناضلا، لم يخبرنا مدى اقتناع الناس بعمله السياسي وبحزبه وبأفكاره؟ قال: دائما استعمل سكان القبائل الأحرار للوصول إلى أهدافه ولكن أظن أن الناس هناك أذكى من أن يستغبيهم هذا السياسي أو ذاك··· وأكاد أجزم أن استقالته هذه نابعة من قناعته أن مناضلو الأرسيدي لم تعد يستهويهم شطحاته السياسية ولم يعد الناس يسيرون خلفه بعيون مغمضة كما كانوا من قبل· قلت: على كل حال هذه الإستقالة التي تقدم بها أحسن شيء قام به منذ أن دخل الحراك السياسي على كل، السياسة أمر أكثر جدية من أن يترك للسياسيين، وربما قد يأتي من يعيد للحزب نفسا جديدا ورؤية أخرى تنفخ به الروح بعد أن جعل منه سعدي مجرد ملكية خاصة تطبق أفكاره وأهدافه· نهق حماري نهيقا مخيفا وقال: أتمنى أن يقرأ رجال السياسة ما يجب أن يقرأ وليس كتب رعاة البقر والقصص البوليسية، ربما بذلك يمكن أن نرتفع بمستوى الفعل السياسي في بلادنا·