عاشت مدينة بشار، ليلتها الأخيرة من الطبعة السادسة لمهرجان موسيقى الديوان، التي اختتمت فعالياته سهرة الخميس الماضي، بملعب النصر· وقد عمت الفرحة قلوب البشاريين، بعد تتويج فرقتهم المحلية ''الواحة'' بالمرتبة الأولى، تليها ''البهجة'' و''نورة قناوى'' ثالثا· نتائج شتتت الأراء، وبعثرت آمال مواهب صاعدة، لم ترض عنها لجنة التحكيم برئاسة لحسن موساوي، الذي أعلن أنه لن يقبل بهذه المسؤولية مرة، وأن المهرجان بحاجة إلى إمكانات أكبر· دخلنا أرضية ملعب النصر بولاية بشار، وعلى غير عادتنا مشينا فوق أرضية مبللة، فعادة منذ انطلاق الدورة السادسة لمهرجان موسيقى الديوان، أصبح الغبار جزءا من يومياتنا المهنية، مثلنا مثل الطاقم التقني والفني، وحتى الفرق المشاركة والجمهور المتضرر الكبير من غياب مرفق ثقافي يليق بالمنطقة وما تكتنفه من مواهب شابة· بعد اجتياز حواجز أمنية متعددة، بمناسبة تواجد عبد الغني زعلال، والي الولاية لحفل الاختتام، توسطنا الملعب على كراسي مصفوفة خلف المقاعد الرسمية، ورحنا نتابع أول فقرة من الحفل· والتي كانت عبارة عن خليط من الفرق القناوية، شاركت في الورشات التكوينية على هامش المهرجان، ما منح في الأخير تشكيلة من العناصر، مختلفة الأعمار، أغلبها من جمعية ''فجر وإزدهار'' التي كونت فرقة غنائية إسمها ''السروية''· أغلبها من الأطفال، ولكن أصواتهم كبيرة، وحركتهم فوق الخشبة تشبه سلوك الكبار والمحترفين، يؤكدون وجود جيل قادر على خلافة الآباء· ومن بين الأصوات التي شدت انتباه الجمهور، صوت سوسن كوثر (14 عاما)، لكنها عندما تغني تشبه المطربات اللاتي تعودن على المنصة· فكوثر عشقت حسناء البشارية ونورة· إلا أن صوتها ذكرنا بعائشة لبقع، ابنة المنطقة، والتي ترى فيها كوثر مثالا يقتدى به· الغريب في الفرقة المستحدثة، أنها لم تكن نموذجا للديوان الذي تأسس من أجله المهرجان، إذ لم نفهم على أي نمط ركبت فكرة هذه الأصوات الشابة، رغم تقديمهم ل ''العفو''، و''باسم الله بها نبدا'' و''بشار''· لحسن موساوي: المهرجان بحاجة إلى نقلة نوعية انتظرت الفرق التسعة المشاركة في الطبعة السادسة، بفارغ الصبر، محضر اجتماع لجنة التحكيم المشكلة من ''لحسن موساوي رئيسا، و الأعضاء محمد صالح بن راسم، رسام عبد القادر، مرييان عبد الله وعمار عمرون''· الذين سجلوا جملة ملاحظات فقط، قرأها الرئيس كالآتي: إن الفرق المشاركة هي التي صنعت الحدث في هذا المهرجان مهما كانت النتائج، إن لجنة التحكيم ليست محكمة بل حاكما وحكمة، الديوان ليس نوعا موسيقيا محضا لهذا مهما كانت ميولات العصرنة وثقل العولمة يجب الحرص على ما يتميز به الديوان من طريقة العرض والآلات والكوريغرافيا· كما أكد موساوي في كلمته على أن المهرجان إذا ما حظي باهتمام أكبر وتوفير وسائل أفضل سيواصل مهمة الحفاظ على هذا التراث· داعيا في الأخير إلى أهمية تنظيم تصفيات جهوية لتمكين أحسن الفرق من الصعود على المنصة والرفع من مستوى المنافسة· النتائج: زوبعة لجنة التحكيم حمل الظرف المغلق الذي سلمته لجنة التحكيم لمنشط السهرة، غبطة للبعض وخيبة آخرين· جاءت النتائج كالتالي: المرتبة الأولى لفرقة ''قناوى الواحة'' لبشار، المرتبة الثانية ل ''ديوان البهجة'' للجزائر العاصمة، أما الثالثة فذهبت إلى فرقة ''نورة قناوى''· اغتبط الجمهور لسماع النتيجة الأولى، ف ''الواحة'' ستكون سفيرة بشار في المهرجان الدولي لموسيقى الديوان المنتظر تنظيمه بالعاصمة· وقد زادت بهجتهم بإعلان اسم المعلم حاكم عبد اللاوي، أحسن عازف قمبري، تقاسم الجائزة مع نسيم بحتوت، من الجزائر العاصمة· إذا كانت ''الواحة'' قد حازت على إجماع الفرق الأخرى، إلا أن لجنة التحكيم، في نظر المشاركين، أهملت أسماء وطاقات مميزة، كما هو شأن ''ديوان قناوى'' البليدة، والمعلم محمد بحاز، و''تراث قناوى'' من وهران، ومعلمها الهواري، الذي استغرب إغفال اللجنة شخصيته الفنية والقيادية في فرقته· كذلك الأمر لفرقة غليزان· وإهمال عازفي قمبري جيدين مثل عبد القادر بن حدة، من جمعية أولاد سيدي بلال غليزان· بينما لم يترك ''ديوان البهجة'' الأثر البليغ في نفوس الجماهير، وقد غاب عن الفرقة التعمق في الديوان، واقتصار ظهوره على الشكل الخارجي فقط؟ فيما صعدت الفرقتين الأولتين لتسلم جوائزهما، أقامت نورة قناوي الدنيا ولم تقعدها، في الكواليس، رافضة الظهور أمام الوالي وباقي السلطات، معلنة عن رفضها للمرتبة الثالثة، ومتهمة موساوي بعدم القدرة على معرفة أصول الديوان ولا الحكم على من يجيد حفظ الأبراج أو قرع القرقابو· نورة ثارت ضد حاكم ورفاقه، ووصفته ب ''المبتدأ''، واعتبرت نفسها أكبر من مهرجان بشار، معلنة أنها ستذهب للمهرجان الدولي بالعاصمة، كاسم لامع وليس كفائزة بالمرتبة الثالثة· محمد بحاز المكرم الوحيد والسلطات المحلية تسرق الورود من القناوى في سابقة غير متوقعة من قبل لجنة التحكيم، أعلنت عن تكريم لشخصيات كبيرة في السن ما زالت مصرة على العطاء· وفيما انتظرنا جميعا الإعلان عن أكثر من إسم، نوديا لعمي محمد بحاز (76 عاما)، ليكرم بلوحة شرفية· ليفتح عقبه سجلا متتاليا من التكريمات الرسمية، حيث كرم موساوي والي بشار، الغائب الأكبر عن هذه التظاهرة، ثم كرم رئيس المجلس الشعبي الولائي، فممثلة وزيرة الثقافة مباركة قدوري، وأخيرا رئيس بلدية بشار، أمام جمهور ساخط لم يفهم ما يحدث في هذا المهرجان· علما أن المهرجان سجل مشاركة شخصيات كبيرة في السن، تجاوزت الخمسين من عمرها، وهي تمثل جيل من القناوى القدامى، متوزعين على الفرق التسعة المتنافسة أو تلك الخارجة من المنافسة·