في هذا اللقاء، يفتح الممثل المسرحي والفنان الكوميدي كمال بوعكاز قلبه ل ''الجزائر نيوز''، ويكشف عن أسرار عمله في سلسلة ''ناس نسمة'' في القناة التلفزيونية ''نسمة''، كما يتحدث بصراحة عن أدواره في ''جمعي فاميلي'' التي لم يرض عنها، ويتأسف لسقوط ''سوق الحاج لخضر''، كما يقارب كثيرا من القضايا الشائكة في راهن التجربة المسرحية في الجزائر وكذا الدراما والأعمال الكوميدية على السواء، ويكشف للقراء عن جديده المسرحي· لتكن البداية من إطلالتك الرمضانية الأخيرة على الجمهور الجزائري من قناة ''نسمة'' من تونس، كيف كانت التجربة وماذا عن بداياتها؟ بدأت علاقة العمل الفنية مع قناة ''نسمة'' منذ سنتين تقريبا في سلسلة ''الشباك'' مع المخرج والمؤلف التونسي منصف دويب، حيث قدمت 15 عملا فكاهيا، وقبل رمضان المنصرم اتصلت بي ''نسمة'' للمشاركة في حصة ''ناس نسمة''، ولأن الفكرة جادة وهادفة لم أتردد لأن المسعى العام كان خلق فضاء ثقافي موحد يجمع بين أبناء المغرب العربي الكبير من سائر الأقطار، علينا جميعا أن ندعم هذه المساعي الثقافية التوحيدية، لأن الثقافة بلا شك تحقق ما تفشل فيه السياسة، وقد تحقق قناة ''نسمة'' ما عجز عنه الرؤساء المغاربة، وهذا هو دور الإعلام والثقافة· ما هي الأصداء الأولى لمشاركتك في ''ناس نسمة'' على مستوى الجماهير، في تونس وفي الجزائر؟ أبهرتني نسبة مشاهدة قناة ''نسمة'' التي كانت عالية جدا في الأقطار المغاربية سواء في تونس أو في الجزائر والمغرب أيضا، الأصداء في الجزائر تحديدا مقبولة على العموم، وكذلك الأمر بالنسبة للجالية المغاربية في أوروبا، وهذا ما لمسته من خلال الأصدقاء الذين اتصلوا بي أو الذين ألتقيهم في الجزائر أو في باريس، أعتقد أن النجاح الذي تحقق في ''ناس نسمة'' راجع بالدرجة الأولى إلى الفكرة التوحيدية والاتحادية، رغم المشاركة المحتشمة للمغرب الأقصى على أمل مشاركة أقوى في المستقبل· كيف كان تعاملك مع إدارة قناة ''نسمة''؟ حظيت بتشريف عال، وكرم خاص من قبل إدارة القناة، وعلى رأسهم مديرها العام الأستاذ نبيل قروي الذي أشهد له بالمهنية وببعد النظر فيما يتعلق بالفكرة المغاربية بعيدا عن الإقصاء· ولكن لماذا كمال بوعكاز بالتحديد في قناة ''نسمة''؟ لا أعتقد أن في الأمر صدفة، لقد اشتغلت كثيرا في الجزائر في الكوميديا والدراما إلى جانب المسرح، يجب أن أذكر بأمر غاية في الأهمية وهو أن ما نقدمه في التلفزيون الجزائري من أعمال يحظى بمشاهدة محترمة في الخارج، ولذلك لا نستغرب أن يكون لنا حضور محترم ومقبول على المستوى المغاربي على الأقل، خلال جولاتي الفنية في أوروبا وقفت على هذه الحقيقة أكثر من مرة، في الوقت الذي شاع عكس ذلك في الأوساط الإعلامية، يمكنني أن أقول إنني كنت أمثل الجزائر في تونس رغم أنني كنت بين أهلي هناك· كيف كان تواصل الجمهور التونسي معك على مستوى اللهجة؟ كان الأمر في البداية صعبا إلى حد ما ، بناء على الاختلاف الذي يمكن أن نصفه ب ''الخفيف'' في اللهجات، هذا الاختلاف اليسير مكن الجمهور التونسي شيئا فشيئا من الوقوف على أسرار بعض الكلمات والاستعمالات الجزائرية فتمكن من التواصل في ظرف قياسي، والعكس يصح بالنسبة للهجة التونسية معي، طبعا هناك فروق، ولكن تزول بفعل الاحتكاك، فالتواصل كان يرتفع من حلقة إلى أخرى، ولذلك يجب تثمين هذا الفضاء الثقافي الإعلامي الذي يساهم في التقريب بين الشعوب المغاربية· في نفس السياق دائما، كيف كان استقبال الجمهور التونسي لمشاركتك في ''ناس نسمة'' كجزائري بالدرجة الأولى؟ ما لمسته عند الشعب التونسي بشكل عام من خلال احتكاكي بالناس في المقاهي وفي المسارح والأماكن العامة، هو تطلعهم الشديد للإنتاج الجزائري وبشوق ظاهر، لقد قال لي كثير من الناس أنهم لم يعرفوا من الكوميديين والممثلين الجزائريين سوى المفتش الطاهر، ولذلك كان الاستقبال رائعا· لكنك كنت حريصا على اللهجة الجزائرية؟ هذا طبيعي، بل وضروري كي يقف إخواننا سواء في تونس أو في المغرب على فهم لهجتنا بشكل واضح دون لبس، تعمدت أن أقدم بلهجتنا الجزائرية حتى أكون تلقائيا أيضا، هذا مهم بالنسبة لي كممثل، كم أشعر بالاختناق عندما أشاهد كثيرا من الجزائريين يذوبون بشكل نهائي ويتحدثون بلهجة أخرى سواء المصرية أو السورية وحتى الفرنسية، لماذا عليّ أن أتحدث أنا بالفرنسية في حال اللقاء مع فرنسي، لماذا لا يجتهد هو في الحديث بلغتي، علينا أن نتخلص من هذه العقدة· على الحاج لخضر أن يعترف بالفشل لنعد إلى الفكاهة الجزائرية في رمضان، كنت في تونس، هل شاهدت سلسلة ''سوق الحاج لخضر''، وما رأيك ؟ شاهدت بعض الحلقات من ''سوق الحاج لخضر''، وبكثير من التأسف يمكنني القول إن السلسلة كانت ''بلا ساس وبلا راس''، أقدم ملاحظتي هنا من حيث أنني ممثل ولا أدعي النقد، لقد كانت الفوضى هي المدمرة للعمل مع غياب تام للحبكة الفنية، يمكن لبعض الأعمال أن تستثمر الفوضى كقيمة مضافة ولكن بشكل مدروس وفيه حبكة في إطار اللعبة الفنية والفكاهية بشكل محدد، تلك الفوضى إلى جانب المبالغة في تناول بعض الظواهر أفقدت العمل توازنه وجاء هزيلا بكل أسف، وكان من الأفضل ألا تقدم هذه السلسلة في رمضان لخصوصية المناسبة واحتراما للمشاهد الجزائري، فالموعد الفكاهي بعد الإفطار يكاد يكون مقدسا لدى الجزائريين ولذلك كان يجب اختيار الأفضل بكل روح رياضية، على الممثل لخضر بوخرص ألا ينزعج من النقد، ليس هناك ممثل في العالم ينجح في كل ما يقدم، الممثل الشهير دينيرو كانت له سقطات فنية، والاعتراف بالفشل ليس هزيمة أبدا، لقد عملت مع الفنان لخضر بوخرص وهو ممثل كوميدي جيد ولذلك سقوطه في ''السوق'' لا ينفي أبدا موهبته الفكاهية· ما أسباب ذلك برأيك؟ لا يمكنني أن أقف على الأسباب الحقيقية لذلك لأني لم أشارك في العمل، ولكن أعتقد أن الاستعجال هو السبب الأهم، أحيانا لا أفهم كيف يمكن لأحد أن يصور سلسلة فكاهية في شهر، هناك سبب آخر يتصل بالممثلين، فكثير منهم كانوا تائهين في العمل، تحس أنهم لا يدركون ما يقومون به، هناك نقص فادح في الجانب التمثيلي أيضا وهذه مشكلة في الإنتاج الدرامي في الجزائر بشكل عام· أعود إلى ما قدمته في الجزائر، وبالتحديد في ''جمعي فاميلي''، كيف كانت التجربة، إذ لم تخل هذه السلسلة أيضا من سقطات هي الأخرى، ما رأيك ؟ لا يخلو عمل من سقطات، هذا صحيح، لم أشاهد كل حلقات ''جمعي فاميلي''، ولكن ومع ذلك حافظ جعفر قاسم في النهاية على الحد الأدنى من جودة العمل الكوميدي، عليّ أن أذكر أن مدة تصوير ''جمعي فاميلي'' هي أربعة أشهر، يجب على جميع المنتجين أن يهتموا أكثر بالجوانب الاحترافية للأعمال الكوميدية، على العموم الأعمال الكوميدية في الجزائر تعاني أزمة· الأزمة تطال جميع فنون الدراما والتمثيل وليس الكوميديا فحسب، خاصة فيما يتعلق بكتابة النصوص التمثيلية عموما، ما رأيك؟ هذا صحيح لأن التكوين ضعيف، لم تستطع الدراما السورية أن تحتل الصدارة إلا بفضل التكوين، يجب مراجعة الأمر بشكل عاجل من أجل رفع المستوى والمضي نحو الأمام على كافة مستويات الإنتاج الدرامي من كتاب ومنتجين ومخرجين وتقنيين وممثلين، من دون ذلك سنظل أسرى هذه الوضعية التي لا تنتج أعمالا في المستوى ونبقى دائما داخل دائرة المحاولات والاجتهاد· لوحظ أن كمال بوعكاز الذي حضر في أكثر من سلسلة لم يكن أبدا صاحب الدور الأكبر أو المحوري في هذه الأعمال، ما سبب ذلك؟ لا أعلم لماذا على وجه التحديد، ربما لم يثق المنتجون أو المخرجون في أن أقوم بهذه الأدوار، ولكن دعني أقول أن الأدوار الناجحة والمؤثرة ليست بالضرورة هي الأدوار الأولى، في الدراما التلفزيونية قمت بأدوار رئيسية على غرار مسلسل ''همي من دمي'' مع صالح أوقروت وفاطمة بلحاج، طبعا ما أقوم به في الفكاهة اليوم لا يندرج في خانة الأدوار الثانوية، ومع ذلك أحترم وأحب كثيرا الأدوار الصغيرة· لم يظهر كمال بوعكاز في ''جمعي فاميلي'' بكامل حيويته في التمثيل، ما أسباب ذلك؟ أقول بكل صراحة، لقد التزمت بالدور كما هو دون أن يسمح لي المخرج جعفر قاسم بالارتجال، أنا لا أستسيغ أن أكون مقيدا في الأعمال الكوميدية، المخرج جعفر قاسم يشتغل على الجانب التقني كثيرا، ولذلك فإن الارتجال يتعبه في هذه الحال، هذا ما حدث في حلقة ''هارون الرشيد'' التي استغرقت أربعة أيام في المونتاج، ومع ذلك لا يمكنني أن أشتغل في الكوميديا من دون ارتجال لأن هذا الأخير يمكنني من الأداء بعفوية وبصدق أكبر· أنت مهدد إذن بقانون منع الإرتجال ؟ الارتجال إلى جانب موهبة التمثيل موهبة أخرى، وتزداد صقلا بالممارسة والخبرة، سأقع في مشكل كبير لو منعني المخرجون من الارتجال، لا أقدر على المواصلة في تلك الحال ولو أحبني كل الشعب، الارتجال في الكوميديا يمثل عندي حالة من الحرية الفنية· هل أنت راض على أدائك في ''جمعي فاميلي''؟ لست راضيا على كثير مما قمت به في بعض الأدوار، كنت أحب أن أقدمها بشكل أفضل· هل نعود إلى الحب الأول، أبو الفنون، ما يقارب ربع قرن من الممارسة المسرحية بين الهواية والاحتراف، لم يقدم كمال بوعكاز منذ سنوات عملا مسرحيا بعد آخر أعمالك ''الناعورة''، ما سر هذا الطلاق إن صح الوصف؟ ليس طلاقا أبدا ولكن حدث ذلك رغما عني، أتحمل بعض المسؤولية على كل حال، ولكن المسؤولية تقع على السياسة المسرحية في الجزائر بشكل عام وهذا تابع أيضا للسياسة الثقافية في البلد، رغم ما نشاهده من حراك مسرحي، فإن هذا الحراك لم يساهم في القضاء على أزمة المسرح في الجزائر على كافة المستويات، وبالدرجة الأولى القاعات والجمهور وتقاليد الإقبال على الإنتاج الفني، ما زال الإقبال ضعيفا وما زالت قاعات المسرح تعد على الأصابع في بلد كالقارة، هل هذا وضع يساعد على الرقي بالمسرح ناهيك عن ضعف مردود هذه الانتاجات، لا يمكن لأحد اليوم أن يجوّع أو يشرد عائلته ليقف على الركح، أتحدى من يفعل هذا، كان يجب أن يدعم المسرح بمزيد من التشجيع والتثمين من أجل إنتاج جيد ومن أجل إقبال أوسع في المستقبل· تبدو متشائما كثيرا؟ هذه هي الحقيقة المؤلمة، ولست متشائما بدليل أنني أحضر عملا مسرحيا في تونس هذه الأيام، سأكشف عن تفاصيله في المستقبل القريب، لقد أبهرت مؤخرا لدى حضوري عرضا مسرحيا في مسرح قرطاج الذي يسع 9000 متفرج، كان المسرح مملوءا عن آخره، كلهم يدفعون التذاكر في تونس، الممثل شريك في العرض وليس ''خماسا''، هذا هو المسرح الذي يجب أن يكون في الجزائر وليس تقديم عروض بالدعوات إذا كان المسرح مرادفا للجوع، فأنا أفضل في هذه الحال أعمالا أخرى، وأعتقد أن الأمر منطقي من دون مزايدات، عليّ أن أذكر بأن هذا الوضع الذي يعيشه المسرح لا يتحمل مسؤوليته طرف واحد بعينه وإنما يجب أن يقوم كل بدوره من أجل التغيير وفي المقدمة الإعلام وبالأخص التلفزيون الجزائري الذي تخلى كثيرا عن دعم المسرح والمساهمة في انتشاره جماهيريا عبر عرض الأعمال وفتح المجال للحصص التي تتناول عوالم الركح· عثمان عريوات يستطيع أن يحيلنا على البطالة في المسرح الجزائري، من أثّر في مسارك ؟ الراحل الكبير عز الدين مجوبي· كمال بوعكاز، من يضحكه من الكوميديين عالميا؟ لوري وهاردي· وعربيا؟ الفنان المصري محمد صبحي· وفي الجزائر ؟ سيد علي فرناندال· وما قولك في عثمان عريوات؟ من أكبر الكوميديين في الجزائر إن لم يكن أهمهم، لو كان عريوات يشتغل باستمرار لأحالنا على البطالة، أقدر كثيرا هذا الرجل الذي لم ينل حقه أبدا· وصالح أوقروت؟ بيني وبينه توافق وانسجام كبيرين في الكوميديا، أحبه وأقدره لأنه يجتهد دائما في تلوين الأدوار التي يقوم بها، أرتاح في العمل معه كثيرا·