يشكل الفنان الشاب حمزة بونوة طريقة مختلفة للاحتفال بالذكرى الخمسين للاستقلال، فهو يرفض الانخراط في برامج مناسباتية قد تملي عليه موضوعا معينا، بينما يبحث هو عن التحرر. بونوة المنتمي إلى المدرسة الحروفية، يرى أن تمثال المجاهد والبندقية تعبير يسيء إلى ذاكرة الشهداء والثورة، ويفضّل أن يهدي البلاد نجاحه وتفوقه، المتمثل في ترشيحه لجائزة الفن السيادية الأسيوية، ووجوده كشاب جزائري في أكبر المحافل الدولية. كيف ينظر الفنان الشاب حمزة بونوة إلى احتفالية الجزائر بالذكرى الخمسين للاستقلال؟ بصراحة، لا أفكر في مبادرة في هذا الإطار لأني أنظر للخمسينية بطريقة مختلفة عما هو رائج الآن. فما يهمني كشاب يمارس فنه على مستوى عالٍ عبر دول العالم، أعتقد أن مجرد الوصول إلى تلك المحافل وتواجدي بالصين ومصر وأمريكا، وغيرها هو في حد ذاته تعبير عن نجاحي في الميدان بعد 50 عاما من استقلال البلاد، وعليه لسنا مضطرين لنبرمج أنفسنا على هذا التاريخ، فحسب. لا أريد أن تكون الخمسينية سببا للتعبير عن حريتنا. هل تفكر في توقيع الموعد بإنجاز ما؟ أعتقد أن ترشيحي لجائزة الفن السيادية الأسيوية للعام ,2012 هي جائزة يتم اختيار المرشحين على ضوء شروط دقيقة وصارمة، لا تسمح للشخص بالتقدم لها، بل يتم الاعتراف بقدرته الفنية عن طريق مختصين وأساتذة وفنانين ذوي خبرة ومرجعية، على غرار ما قامت به السيدة هيفاء الجيشي التي رشحتني لهذه المنافسة. الملفت في هذه الجائزة، بغض النظر عن التتويج، هي أني سأكون كاسم جزائري من بين أكبر التشكيليين العالميين في العاصمة اليابانية. كما هو اعتراف عالمي أني واحد من بين التشكيليين الأكثر إبداعا وتجديدا في الساحة. لا نجد اسمك في برنامج الاحتفالية، هل تقبل الدعوة لو وصلت لاحقا؟ قد أقبلها وقد لا أقبلها في الوقت نفسه. فأنا مقتنع بأن أهم الأشياء تحدث خارج المناسبة. في التاريخ الشخصي لكثير من التشكيليين مشاركات مناسباتية وأعمال تحت الطلب؟ لا يجب أن يعبّر الفنان عن مناسبة ما والامتثال لموضوع معين، أقصد الثورة مثلا، فكل الأعمال التي تقيدت بالموضوع مآلها يشبه ما حدث لتمثال ستالين وشعارات الشيوعية التي بمجرد سقوط الاشتراكية وانفتاح المجتمع على أفق أكثر تحرر، حطمت وانتزعت. لا أريد أن يحدث ذلك في الجزائر، لا أحب أيضا أن تملي عليّ جهة معينة، ما يجب أن أشكله أو أرسمه، هدفي أن أعبر عن حالتي بلا قيد أو التزام مع طرف أو موضوع. تقييد الفنان بموضوع الثورة، هو إساءة للثورة في حد ذاتها، وما فعله الأولون مضى وانتهى، فنحن اليوم في عالم متحرر يدفعنا إلى أن ننظر إلى الجزائر بعين مغايرة. لم تتناول الثورة يوما في أعمالك، صحيح؟ كشاب أريد أن نعبّر عن تحررنا بالتشييد والبناء، عن طريق إنجاز يبهر العالم كله، ويقال إن الجزائر حققته بمناسبة ذكرى استقلالها الخمسين. فتمثال المجاهد الذي يحمل بندقية شعار لن يفيدنا في شيء. صحيح، لم أتناول الثورة في أي من أعمالي، من منطلق قناعتي أن أفضل تذكار هو رؤية جزائري ناجح، بدليل تظاهرات 2003 - 2007 - 2011 2009 -، لم تترك أي شيء. كيف ذلك؟ أثناء المهرجان الإفريقي رأيت قرية إفريقية يندى لها الجبين، وقبلها في تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية، نظم معرض ضخم لمقتنيات العالم العربي، صرفت عليها الأموال لكنها عادت إلى باريس دون أن نستفيد من ذلك. عندما أنجزت معرضي في 2008 ورغم المساعدة والرعاية الكاملة والشاملة لوزارة الثقافة أنجزت بفضلها 70 عملا إبداعيا مميزا، لم تقتن الحكومة الجزائرية من مشروع مولته. لاحقا عرضت المجموعة نفسها في دولة خليجية، بيعت أعمالي كلها لمتاحف أوروبية وأخرى. في 2008 عرضت ب ''الماما'' متحف الفن المعاصر والحديث بالعاصمة؟ حتى ''الماما'' لم يشتر عملا من أعمالي. أصلا، المتحف لِمَ لا يشتري لأنه ليس بمتحف، بالنسبة لي هو مجرد مساحة للعرض ولم يرق بعد إلا مرتبة متحف. لهذا اقترحت أن توكل ل ''الماما'' مهمة دعم الفن، أن يفسح له مجال عشرين سنة ليكون رصيده من اللوحات و التحف تؤهله لصنف المتحف. أقول ذلك لأن الدول المحترمة عندما تفكر في إقامة متحف، تستغرق 10 سنوات لاقتناء القطع ولبلوغ 10 آلاف قطعة جديرة بالعرض. كيف يتعامل المتحف الجزائري مع الفنان؟ لم أر يوما مسؤول جزائري فكر بالاتصال بالفنان وعرض عليه تقديم أعماله، على ضوء جلسة تفاوضية. في الجزائر عندما يتصل بك صاحب متحف أو رواق عرض، وكأنه يتصدق عليك بمساحة لم تكن تحلم بها، يشعر الواحد منا وكأن تواجده في ذلك المكان يشبه عملا تطوعيا. والغريب في الأمر أن بعض الزملاء يقبلون بطريقة التعامل تلك حتى أني سميتها ب ''الدعارة الفنية''. شخصيا، لا أتنازل عن حقي في التفاوض والنقاش، فالأمر في نظري ليس مجرد تعليق للأعمال على جدار. من تراهم قدوة في الفن التشكيلي الجزائري، أفكر في خدة وإيسياخم وراسم؟ خدة وإيسياخم فنانان محليان وليسا عالميين أو دوليين. وحجتي في ذلك غياب أعمالهم في المتاحف العالمية، إذ لا يكفي أنهما موجودان في متحف الفنون الجميلة، بل يجب أن تكون أعمالهم مقتناة من قبل أكبر متاحف. أعتقد أيضا أنهما لم يسوقا أنفسهما بطريقة صحيحة، كما لم تقم الدولة الجزائرية بالترويج لفنهما. أما قدوتي فهو رشيد قريشي، وهو أكثر قيمة من الإثنين، من حيث قيمته الدولية، فهو معروف وأعماله تجدينها في كل مكان.. هذا هو خياري والعاطفة في الفن لا تجوز. يقال عنك إنك دخلت العالمية من ''بوابة خليجية''؟ أنا أعيش بين بريطانيا والخليج، لكن انطلاقي نحو العالمية كان من دول العالم العربي عموما، وعلى عكس الذين اتجهوا إلى أوروبا وتحديدا إلى فرنسا واختفوا. رغم أنها عاصمة المتاحف والصالونات والأروقة وأهم سوق فنية أيضا. وجودي في الدول العربية أعطاني فرصة التعبير عن هويتي العربية بطريقة معاصرة.