إذا حاولنا عبثا إجراء مقارنة صورية وبسيطة عن أحوال المواطن الجزائري وأجواء الأيام الأولى من شهر رمضان، وما يوجد عليه الوضع بعد مرور 10 أيام، لوجدنا أن الصور التي نقلناها منذ اليوم الأول ما تزال موجودة ولو بمعطيات وظروف أخرى. وبالعودة إلى التحضيرات التي سبقت الشهر الفضيل والاحتياطات التي اتخذها المواطن والدولة لضمان رمضان أفضل من المواسم الماضية من حيث لهيب الأسعار وندرة بعض المواد الغذائية الأساسية مثل الخبز، نجد أن المشاهد الجديدة المتواجدة حاليا في السوق لا تختلف كثيرا عن تلك التي عايشها المواطن وألفها منذ عشرات السنين خلال هذا الشهر الفضيل، من حيث ارتفاع الأسعار وجشع التجار وغياب الدولة، مما أنتج وضعا صعبا لم يتمكن السواد الأعظم من المواطنين التأقلم معه خاصة ذوي الدخل الضعيف. تراجع طفيف في أسعار الخضر ما جلب انتباهنا ونحن نتجول في بعض أسواق العاصمة هو تراجع أسعار بعض المواد واسعة الاستهلاك في هذا الشهر الفضيل وبالتحديد الخضر التي عرفت ارتفاعا جنونيا في الأسبوع الأول، مما خلق نوعا من الإحباط لدى المواطن الذي احتار كيف يستطيع ضمان وتأمين مائدة رمضان كل يوم. وتبقى مادة الطماطم أكثر المواد التي عرفت تراجعا ملحوظا في الأسعار خلال الأيام الأخيرة، حيث انخفض سعرها في بعض الأسواق الشعبية إلى حدود 25 دج للكيلوغرام، وهو ما ارتاح له المواطن كحال سيدة وجدناها بسوق شعبي ''بعد معاناتنا خلال الأسبوع الأول مع غلاء الخضر والفواكه، لمسنا هذه الأيام تراجعا طفيفا في الأسعار خاصة الطماطم التي أصبحت في متناولنا باعتبارها ضرورية يحتاج إليها المواطن في كل الأطباق التي يعدها لمائدة الفطور، وإذا كانت أنواع الخضر الأخرى قد شهدت انخفاضا طفيفا، فإننا في المقابل لم نلحظ ذلك على مواد أخرى مثل اللحم والدجاج والأسماك وخاصة الفواكه التي ما تزال أسعارها ملتهبة وليست في متناول المواطن البسيط''. ولم يختلف رأي أحد المواطنين الآخرين الذي تحدثنا إليه وهو رب عائلة متكونة من ستة أفراد وجدناه يقتني بعض الحاجيات من السوق، حيث لم يتوان في توجيه أصابع الاتهام لوزارة التجارة حيال عبث وجشع التجار في هذا الشهر الكريم ''ككل سنة نسمع كثيرا عن الاحتياطات والإجراءات التي تتخذها الحكومة ممثلة في وزارة التجارة من أجل المحافظة على القدرة الشرائية لدى المواطن، وقطع الطريق أمام سماسرة سوق الخضر والفواكه الذين يستغلون حاجة المواطن المسكين إلى التزود ببعض الخضر لإعداد فطوره، لرفع الأسعار مع بداية كل شهر رمضان، فقبل أيام معدودة من حلوله، كانت الأسعار شبه مستقرة غير أنها ارتفعت فجأة مما أربك المواطنين، وحتى إن كانت الأسعار قد عرفت تراجعا طفيفا هذه الأيام، إلا أن بقاء مثلا سعر الليمون في حدود 300 دج أمر غير معقول، وهذا دون أن أتحدث عن بعض المواد والضروريات الأخرى مثل اللحم والدجاج التي أصبحت مع مرور الوقت من الكماليات التي يستغني عنها أصحاب الدخل المتواضع''. هكذا رسم لنا المواطن المشهد وفق رواياته، وما عاشه خلال الأيام الأولى لشهر رمضان، ولم يجد حرجا في التأكيد لنا بأنه لم يشترِ اللحم سوى يوم واحد فقط منذ بداية شهر رمضان. سوق المركزية النقابية نقطة في بحر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتناول موضوع الأسعار المطروحة والمعروضة اليوم في أسواق الخضر واللحوم، خلال هذا الشهر الجليل، دون أن نعرج على المبادرة التي قامت بها المركزية النقابية من خلال فتحها لسوق على مستوى مقرها بساحة أول ماي بالتنسيق مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومنطقيا، لا يمكننا الحكم على أجواء هذه السوق وتجاوب المواطن معها إذا لم نقضِ بها بعض الوقت للوقوف على مدى مساهمتها من عدمها في فك الخناق على الأسعار التي فرضها التجار. ولا نضيف شيئا إن قلنا أن الزائر إلى سوق المركزية النقابية، تتراءى إليه وهو يقترب منها بأنه بصدد زيارة أجنحة خاصة بمعارض بيع مواد ومنتوجات غير استهلاكية طالما وأنها هيئت بطريقة تشبه إلى حد كبير المعارض المعروفة ولا تعطي الانطباع لزائرها بأنها مختصة في بيع اللحم والدجاج والحمص والفاصولياء وأخواتها، بل ولا يظن بتاتا بأن أصحاب تلك الخيمات التي نصبت في بعض زوايا ساحة المركزية النقابية هي لتجار خواص ينتمون إلى فيدرالية المواد الغذائية جلبهم سيدي السعيد من أجل بيع بعض المواد الغذائية إلى المواطنين بأسعار معقولة وتخالف بعض الشيء ما يجده المواطن في الأسواق العادية غير المناسباتية، وبالتالي إيهام الرأي العام والخاص بأن الدولة قامت بمبادرة جديرة بالاهتمام في سياق التخفيف عن المواطن من وطأة شجع التجار في هذا الشهر الكريم. ونستسمح القارىء الكريم للوقوف قليلا عند وصف أجنحة هذا السوق الذي تم استحداثه في قلب الاتحاد الوطني للعمال الجزائريين باعتباره الجهة الأولى المخولة لها الدفاع عن حقوق العمال وأصحاب الدخل المتواضع والضعيف وحتى المحترم طالما وأن سوق المركزية مفتوح لكل المواطنين. يتكون سوق المركزية النقابية من 23 جناحا معظمها يبيع موادا غذائية تتقدمها طبعا اللحم والدجاج والبيض وتليها مادة الحمص الذي وصلت أسعاره إلى حد لا يطاق، ثم تأتي مختلف أنواع العجائن، بالإضافة إلى جناح خصص لبيع مختلف أنواع الجبن والزبدة وكذا أكياس الحليب، أما بقية الأجنحة الأخرى فقد أريد لها أن تكون لبيع الشاي والتونا وبعض الملابس والأحذية. ولم تأخذ منا عملية اكتشاف سوق المركزية النقابية وقتا طويلا، حيث استطعنا التجول فيها لبعض الدقائق فقط، طالما أننا وجدنا أن جناح بيع لحم الخروف خالي على عروشه في اللحظة التي وصلنا فيها لأن الكمية المتوفرة بيعت، وعلى المواطن أن ينتظر قدوم الشحنة الثانية، مما حول صبر وانتظار أحد الزبائن إلى غضب عبر لنا عنه بكلمات فيها الكثير من المعاني ''هذه هي حال هذه السوق لا تكد تنتقل من جناح إلى آخر حى تفاجأ بأن اللحم أو الحمص قد نفذ، وعلى المواطن الانتظار لبعض الوقت أو الساعات، وكما ترى فأنا الآن أنتظر قدوم الشاحنة التي تزود جناح اللحم بكمية أخرى. إن ما يحدث بصراحة يندى له الجبين ولا يعدو كونه صورة مغشوشة حاولت المركزية النقابية ومن يقف وراءها إيهام الناس بأوهام لا يصدقها العقل، وأنا أتحدى أي شخص يقول العكس''. بالطبع لم نصدق كل ما قاله هذا المواطن الذي تفوه ربما بكلمات نتيجة الغضب الذي انتابه وهو ينتظر لبعض الوقت قدوم الشاحنة التي تزود الجناح المخصص لبيع اللحم بكميات أخرى، إذ ما هي إلا لحظات وتوقفت عجلاتها بالقرب منا ومن صاحبنا الذي تملّكه الغضب، لقد حملت الشاحنة خمسة كباش مذبوحة ومسلوخة وجاهزة للتسويق، غير أن ما شد انتباهنا هو ردود فعل أحد المواطنين الذي رأى بأن اللحم فيه الكثير من الشحم، وبالتالي لا يتلاءم مع ما كان ينوي شراءه، وعلى التو غادر وهو يردد أمام الملأ بأن ''اللحم ''شارف، وفيه الكثير من الشحم''، ولم تثن صيحات وملاحظات هذا المواطن الذي امتنع عن الشراء، بقية الناس خاصة النسوة اللائي جئن بقوة أمام جناح بيع اللحم واشترين ما طاب لهن مقابل حوالي 1000 دج للكيلوغرام الواحد وهو سعر معقول بالنسبة لهن إذا قورن بالسعر المتداول خارج أسوار المركزية النقابية. وشهد شاهد من أهلها ونحن نطوف عبر أجنحة سوق سيدي السعيد رمقنا أحد الأشخاص واقفا أمام مدخل مقر المركزية الكبير، وقد دفعنا فضولنا إلى محاولة معرفة هويته وفيما إذا كانت له علاقة مع مشروع السوق الجواري الذي أقيم على محيط الاتحاد العام للعمال الجزائريين، وما إن تجاذبنا الحديث مع ذلك الشخص حتى علمنا بأنه يعمل كإطار في المركزية النقابية، وقد فتح لنا الباب على مصراعيه لكشف أغوار هذه السوق من الداخل بعد أن أطلعنا على بعض أسرارها من الخارج. ورغم أن هذا الإطار عرّفنا باسمه إلا أننا فضلنا ألا نذكره في عملنا خشية أن ينقلب عليه الرجل الأول في المركزية النقابية، كما أننا وجدنا أن تصريحاته هي أولى من ذكر شخصه، ودون مقدمات وصف هذا الإطار المبادرة ''بغير المجدية تماما لأنها تمس فئة بسيطة من المواطنين العاصميين، وبالتالي فهي محدودة في الزمان والمكان ''. هكذا، وصف هذا الإطار مبادرة سيدي السعيد وواصل حديثه بتقديم شهادات وأدلة على هشاشة المبادرة ''في نظري مثل هذه العمليات كان يجب التفكير فيها بجدية والتنسيق بين الجهات المعنية من أجل إنجاحها وتعميمها على الأقل عبر كل الولايات، وأعتقد أن وزارة التجارة بالتعاون مع المركزية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي كان بإمكانها المساهمة في العملية، ويؤكد بالتالي اهتمام الدولة بالقضية، إذ ما أقدمت عليه النقابة لا يعدو كونه نقطة في بحر، وبالتالي لم يحقق ما كان القائمون عليه يهدفون إليه''. دوريات مستمرة للمراقبين بعيدا عن سوق المركزية النقابية، عدنا أدراجنا ثانيا إلى تفقد حال أسواقنا ومدى سهر السلطات المعنية على سلامة المواد الاستهلاكية التي تباع للمواطنين خاصة ما تعلق باللحوم المجمدة التي تم جلبها من الهند، وشاءت الصدف أن نقصد أحد التجار المختص في بعض مختلف الحبوب والبقول الجافة، حيث علمنا أن صاحبنا تعرض لغرامة مالية من طرف مصالح مراقبة الغش الولائية ''منذ يومين تم استدعائي لدي مصالح مراقبة الغش بعد زيارتهم إلى محلي، حيث سلطت عليّ عقوبة مالية بسبب عدم وضع الأسعار على المواد التي أبيعها''، وعندما طلبنا منه إذا كان يعلم بقيمة الغرامة المالية، رد علينا بأن الأمر سيعرفه عن طريق المصالح المختصة. وبالمناسبة فقد علمنا كذلك من بعض التجار بأن مصالح مراقبة الغش التابعة للولاية والبلدية تقوم بدوريات متواصلة عبر الأسواق، وتتولى مراقبة كل الأمور مثل الأسعار، جودة السلع ومدة صلاحيتها، وهو ما جعل أحد التجار يؤكد بأن عمل مصالح المراقبة في هذا الشهر الكريم يسير بوتيرة منظمة وحازمة، وهو ما أثار تخوف كل التجار بالسوق، غير أن ذلك لم يمنع بعض المخالفين من الاستمرار في عدم التقيد بمبدأ وضع الأسعار، غير مبال بما يلحقه من غرامات.