طرح المدون محمد الشرقاوي موضوع حول أفاق التدوين العربي، كان سؤاله الرئيسي هو: هل نجرؤ على إعلان نهاية حقبة من التدوين باللغة العربية؟!· ولكن قبل الإجابة بالتأكيد أو النفي على السؤال المطروح، يمكن أن نبدأ بطرح سؤال آخر أراه أكثر إلحاحا قبل فتح المجال للحديث عن مرحلة تديوينة جديدة لم تتضح معالمها بعد· والسؤال يمكن صياغته بالشكل التالي: هل يمكن الحديث عن تدوين عربي قوي وفعال عبر مواقع عربية وبأقلام عربية؟· السؤال الأول يبدو سابقا لأوانه نتيجة حداثة التجربة التدوينية العربية ولكن بالنظر للتراكم التدويني الحاصل منذ سنوات قليلة سنجد أنفسنا أمام إجابة تحيل على النفي بالنسبة لكلا السؤالين، ولكن قبل النفي وتسفيه إنجازات المدونين العرب عبر موقع مكتوب مثلا لنجب على سؤال: ما هو التدوين؟· لنبدأ التعريف بالسلب، التدوين هو فضفضة وهو في الغالب شغل نسوان فاضية أي هو عمل تشهير بالذات وبالآخر وإعطاء مشروعية للغيبة والنميمة بجعها قضية رأي عام وطرحها للنقاش، بتعريف آخر أقل تحاملا، التدوين مجال للبوح بالخصوصيات ومجال خصب للفاشلين والمغمورين حتى يكونوا فرسان ونجوم العالم الافتراضي في القارة السابعة (الأنثرنث)·التدوين تحقيق لبعض أحلام الطفولة بأن نكون كتابا مشهورين وصحفيين أحرار جدا في التنديد والرفض والشجب والاعتراض على كل ما يمت للحكومة بصلة ( ومعارضة الحكومات العربية هو جل ما يفعله المدونون العرب عبر مدوناتهم)· بهذه المعاني السلبية التدوين عمل من لا عمل له ومضيعة للوقت والجهد· ولكن لنعرفه بالإيجاب: التدوين فضاء إبداعي ومجال تواصل لتنمية القدرات المعرفية للمدونين فضاء حر يمكننا من النقد البناء بغية التغيير، إنه فضاء حر ، ديمقراطي، تفاعلي وفعال، وهو فضاء طبيعي لوجود المباح من القول، ولكنه ( وهذا هو الأهم ) مجال خصب لانوجاد المستباح والممنوع والمسكوت عنه، فنتيجة الحرية شبه المطلقة التي يتمتع بها المدونون وهم يعبرون عن أفكارهم، صار ممكنا أن نقرأ عبر المدونات مواضيع ضلت لوقت طويل ضمن الطابو الديني والسياسي، وحتى الطابو الجنسي، رغم أن هذا الأخير قد استبيح وتم تجاوزه عبر مجالات الكتابة الأخرى عن طريق الوسائل التي توصف اليوم بأنها تقليدية· المدونون استطاعوا مزاحمة الصحافة الورقية، صاروا مصدر ثقة الناس لأنهم من الناس وإليهم؛ فدون شعارية مقيتة يقدم المدونون أخبار، معارف وتحليلات، يقدمون أيضا إبداعا مغايرا لما هو متداول ويساهمون في صياغة رموز اجتماعية وفي تشكيل رأي عام قوي·إنهم يفعلون ذلك بالمجان وبحرية تفتقدها وسائل الإعلام التقليدية رسمية وخاصة، لأن تلك الوسائل التقليدية مرتبطة بمصالح فئوية وطبقية مما يجعل المتلقي يشكك في نزاهتها، ويجعل النزاهة في صف المدونين رغم أنهم بشر، ملائكة وشياطين ولهم مصالحهم التي يسعون لتحقيقها، ولكن مصالحهم فردية أساسا وبالتالي فهي إن لم تحض بالقبول الجماهيري فلن تثير عداءه على الأقل· هنا يبدو للتدوين دور خطير وفعال لم يتبلور في الفضاء العربي بشكل كافي ولكنه في طريقه نحو التبلور الذي سيجعل من جموع المدونين كأفراد وكحركة تدوينية وليس كتنظيمات تهيكلهم تديوينيا قوة رمزية كبيرة، وقوة نقد أخلاقية اتجاه التجاوزات الحاصلة في كل العالم· إنهم في طريقهم ليكونوا محكمة عالمية ذات قرارات وأحكام غير ملزمة ولكنها قوية الحضور والتأثير· ولكن التدوين العربي لم يتجاوز بعد رغم مئات آلاف المدونات مرحلة الإرهاص بكل هذا، إنه يحبو ويشاكس عبر المواقع العربية كمكتوب ويسفر عن نوايا سيئة اتجاه السلطة ( سياسية ودينية ) عبر مواقع الاستضافة غير العربية، أصابع المدونين بدأت تحترق نتيجة جرأتهم في الرفض والنقد دون أن يتمكنوا من جعل رفضهم ذو مقابل اجتماعي ملموس· المدونون العرب يناضلون عن طريق الكتابة، وهذه هي المرحلة الأولى الجنينية للتدوين العربي التي استمرت طويلا، فالتدوين صار يعني بشكل ما فعل الكتابة والانتقال نحو مرحلة أخرى من مراحل التدوين العربي تحيل على أثر الكتابة، وهي مرحلة تخبر عن مقدماتها دون أن يكون لها حضور محدد الملامح· لا يزال الوقت مبكرا للإعلان عن نهاية حقبة من التدوين باللغة العربية لأن التاريخ المتسارع من حولنا يسير ببطء بالنسبة لنا، حيث يتباطأ التطور المفترض في طرائق التعبير وفي الممارسة التدوينية كفعل لا يهدف فقط لمجرد ممارسة هواية الكتابة، أنما الهدف الأقصى للتدوين هو جعل الكتابة التدوينية مساهمة في صياغة الواقع الاجتماعي والسياسي لمجتمعاتنا، وهذا نوع غائب من الوعي لدى غالبية المدونين العرب، وبالتالي فالقدرة على الخروج من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي لم تتح بعد للتدوين العربي، وهذا ما يجعلنا نراوح مكاننا، إننا نتقدم نحو مرحلة أخرى من التدوين العربي ببطء شديد·