تواجه الصناعة الثقافية، في المقام الأول صناعة السينما والموسيقى، والكتاب بدرجة أقل، أزمة كبيرة في السنوات الأخيرة، بسبب انتشار القرصنة الإلكترونية، وتوفير المواد دون الحصول على حقوق نشرها من مالكيها الأصليين، الكثير من الإشكاليات المتعلقة بوضعية حقوق الملكية الفكرية في الجزائر يوضحها سامي بن شيخ، المدير العام للديوان الوطني لحقوق المؤلف في هذا الحوار. التعدي على حقوق الملكية الفكرية في الجزائر منتشر بشكل واضح، تحميل المواد وطبعها على أقراص مدمجة لبيعها بشكل علني أصبح مشهدا عاديا، كيف ترون الوضع؟ القرصنة تطورت مع تطور التكنولوجيات الرقمية، وانتشار الأنترنت، الأمر الذي جعل الصناعة الثقافية في أزمة كبيرة، لأن كل المنتجين أصبحوا يعانون من خسائر ضخمة، هذا علاوة على نسخ وتوزيع مواد صوتية ومواد فيديو، وتوزيعها في الأسواق الموازية دون تصريح من المنتج الأصلي، أو مالك الحقوق، أو الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة. القرصنة تتطلب جهودا كبيرة من أجل الحد منها، كيف يواجه أعوان الديوان، الخروقات التي تمس حقوق الملكية الفكرية؟ أعوان الديوان يواجهون صعوبة كبيرة في مواجهة القرصنة، الأسواق الموازية أصبحت تشكل مشكلا كبيرا، فهي لا تسوق الأقراص المضغوطة فقط، بل هناك مواد تجميل، وأدوية، وحتى قطع الغيار. كما قلت أعواننا يواجهون صعوبة كبيرة في الإحاطة بالوضع، وقد تعرض الكثير منهم إلى اعتداءات جسدية أثناء أداء مهامهم، الأمر يتجاوز إمكانيات الديوان، يجب أن تشتغل مؤسسات أخرى على الأمر معنا، كوزارة التجارة والأمن الوطني، هذا الأمر ليس مشكلنا لوحدنا. لكن المشكل لا يتلخص في السوق الموازية فقط، أي شخص يملك جهاز كمبيوتر وربطا بشبكة الأنترنت، بإمكانه تحميل مواد محمية بحقوق ملكية فكرية، هل تأخذون هؤلاء بعين الحسبان؟ رغم أن التطور التكنولوجي حقق قفزات نوعية هائلة، حسنت نوعية الإنتاجات الفنية، إلا أنه أزال الحدود بين البلدان، وهنا تكمن خطورة الأمر. في وقت سابق، كانت أقراص الأفلام والموسيقى تمر عبر الحدود، الآن عبر الأنترنت يمكنك الوصول إلى مئات الآلاف من المواد، من كتب وأفلام وأغاني وصور ومواد أخرى من المفترض أنها محمية بحقوق ملكية فكرية، توفير المواد عبر الأنترنت هو مشكل عالمي، وصناعة الموسيقى والأفلام تحديدا تمر بأزمة غير مسبوقة بسبب هذا الأمر. في بعض الدول، أصبح الوصول إلى منتهكي حقوق الملكية الفكرية سهلا، خلال دقائق من تحميل المواد بصورة غير شرعية، يصل أعوان حماية الملكية الفكرية إلى الفاعل ويعاقب، إلى أين وصل الأمر في الجزائر؟ هناك دول لديها تجارب في هذا الصدد، مثل الدول الأوربية. مؤخرا، دارت نقاشات كبيرة في فرنسا بسبب نظام أدوبي، الذي اختار أن يحمّل المسؤولية للمستعملين الذين يقومون بتحميل المواد بطريقة غير مشروعة، عكس موفري هذه المواد، الذين لا يتابعون. من يستخدم مواد دون وجه حق، يتعرّض للعقاب بصورة تصاعدية، ففي أول الأمر يتم توجيه رسالة لطيفة تذكره بضرورة احترام حقوق الملكية، ثم يتطور الأمر بتكرار الانتهاكات إلى الإنذار، فالغرامة، فالمتابعة القضائية. في الجزائر، قامت وزارة تكنولوجيات الاتصال عام 2009، بإصدار قانون يدين في المقام الأول، من يقوم بتوفير المواد وليس مستهلكيها. منذ سنوات تحصلت كاديك على حقوق توزيع المواد المملوكة لشركة روتانا، بشكل حصري في الجزائر، وأثار الأمر حفيظة بقية منتجي الموسيقى، الذين دأبوا على بيع الأقراص دون الحصول على حقوقها، كيف تمنحون حق توزيع المصنفات الفنية؟ كل استغلال لمصنفات من أي نوع يجب أن تخضع لترخيص من الديوان، عندما نمنح الترخيص يكون بالدرجة الأولى من أجل حماية حقوق الملكية الفكرية، حتى نحفظ حقوق المؤلف، عندما يأتي المنتج ليطلب منا ترخيصا، يدفع مقابل عدد النسخ التي سيقوم بسحبها. نحن نطالبهم بالعقد الذي يثبت تسوية وضعيتهم مع المنتج الأصلي، والذي يتيح لهم حق استغلال المادة، وحينما يمنح لنا نسخة من العقد، نقوم بوسائلنا الخاصة، بالتثبت من صلاحية العقد ومدته، وكمية النسخ المسموح بنشرها. ما هو السبب إذن في احتجاجات الشركات الأخرى؟ في وقت سابق كان هناك احترام واتفاق ضمني بين الشركات، كانت كل واحدة منها تسعى للحصول على حقوق استغلال لمواد سمعية ومرئية، مثلا كان يتحصل البعض على حقوق فيديوهات مايكل جاكسون من دول أوربية، ونحن كنا نرخص لهم، ولكن حين بدأ البعض يتحصل على حقوق صحيحة من المنتج الأصلي مباشرة، بدأت المشاكل تطفو إلى السطح، مثلا مصنفات أم كلثوم الغنائية مملوكة لشركة صوت القاهرة، وفي هذه الحالة مادمنا نعلم من هو المنتج الأصلي، فنحن نرفض أن نمنح أي منتج حق توزيعها في الجزائر، بناء على عقد تحصل عليه من أي طرف خارج الشركة المذكورة. الديوان مرتبط باتفاقيات مع 48 مؤسسة دولية تعنى بحماية حقوق الملكية الفكرية، ولهذا يجب علينا أن نحترم مؤلفاتهم ليحترموا مؤلفاتنا. مادامت الانتهاكات مستمرة، كيف ستتعاملون مع المخالفين؟ بالقانون طبعا، التشريع الجزائري 0503المتعلق بحماية حقوق الملكية الفكرية وحقوق المؤلف، يحوي مواد صارمة من الناحية الجزائية والمدنية، ونحن نشتغل مع شركائنا في المؤسسة القضائية، من أجل دفع الأمور إلى التطور.