ربما تأخر لبعض الوقت، ما كان متوقعاً من تصعيد، على كل خطوط التناقض مع المحتلين، الذين تسوسهم الآن، حكومة لم تُخف آراءها العنصرية، المعادية لفكرة التسوية، والتي رمت بوقاحة، في ملعب الجميع، الفلسطيني والعربي والإسلامي، كُرة صادمة، قوامها أن لا احترام حتى للذين يتوددون لإسرائيل، ولا تفاهم حتى مع الذين أظهروا ميلاً، إلى إعادة توصيف نتنياهو، وإلى اختزال المشكلة معه، في عنادة حيال نقطة أو نقطتين، أو في شهر أو شهرين، من النقطة المتعلقة بتجميد البناء الاستعماري! إن مواجهة الأمس، في باحة الأقصى، بقدر ما كشفت عن مخزون لا ينفد، من عزيمة الفلسطينيين، ومن سمو شرفهم الوطني والقومي والإسلامي؛ أظهرت كم هي بائسة، سياسات المعنيين بأن لا يعربد الاحتلال، وهم أنفسهم المعنيون بأن تتعقل إسرائيل، وأن توافق على أن تتقبل منا هزيمتنا الاستراتيجية، بمعايير التاريخ ومُدركات القضية· لكن هذا العدو، لا يطيق المهزومين الذين ربما يفكرون في وسيلة للنهوض، لذا تراه يتطلب عرباً بمواصفات عبيد العصور الغابرة، وذلك في زمن الإقرار بالمساواة بين البشر، من كل الأعراق، وفي كل البقاع، في الحقوق وعلى رأسها الحق في الحرية! المحتلون، ومن ورائهم حكومتهم، اختاروا التصعيد في كل موضع· فبعد أن ألقوا بثقلهم في محاولات تثبيت الأمر الواقع على الأرض، ولمفاقمة التعقيدات والمسائل التي يتعين أن يلتقي المتفاوضون، لكي يجدوا حلاً لها، في سعي إلى قطع الطريق نهائياً على المفاوضات؛ تعمدوا جذب انتباه وكالات أنباء العالم، إلى وُجهات أخرى ومجالات توتر، على مستويات عدة، فلجأوا إلى التصعيد مع المبعوث الأمريكي الخاص، ومع إدارة أوباما نفسه، ومع اللجنة الرباعية، ومع مصر في اليونسكو، وسط ستار دخاني من التشكي الكاذب من إيران، لدرجة أن نتنياهو أسمع كل من رغب في سماعه، من على منبر الأممالمتحدة؛ بكائية سمجة، غرضها إظهار هؤلاء الغاشمين القتلة، من مصاصي دماء الأطفال، بمظهر الأكباش المهددة بالذبح والضحايا المقتلعين من بيوتهم في غزة، وعصافير بريئة يطارها الصيادون! يأتي التصعيد في الأقصى المبارك، اختباراً لقدرة كل السياسات والأنظمة الرشيدة، الناصحة بالتعقل، المتطيرة مما تسميه التطرف، ومن الأيديولوجيات، ومن كوابيس التاريخ؛ على إنتاج موقف متواضع، له صلة قرابة ولو من بعيد مع معنى الكبرياء، ومع معاني الانتماء إلى أمة لها كرامة، ومع براهين الجدارة في الحكم وفي تحمّل المسؤولية أو النهوض بالأمانة· فمن سوء حظ المعنيين بالتسوية، أن هذا العدو لا يترك لهم ما يباهون به، بل يظن هو والأمريكيون عليهم، بأبسط المظاهر، كأن يسمح واحدهم، مثلما يسمح هو نفسه لنفسه، في حدود احتلال 48 بأن يخرج من فضاء سيطرته وعنفوانه وصولجانه، جمعٌ غاضب، يعبر سلمياً عن تفجعه، كجمع الشيخ رائد صلاح، حتى ولو كان ذلك في استجابة لامتصاص نقمة الناس، وشفط صديد الاحتقان في المجتمع! الهجمة على الأقصى، هي هجمة الستار الكثيف، من الدخان، لحث البناء الاستيطاني، ولاستكمال مفاعيل حفر الأنفاق تحت مستطيل الأقصى، ولضمان تعطيل التسوية، ولتعويد الأحاسيس العربية على إهدار الكرامة، ولتلطيف التصعيد الوقح، ضد مبعوثي ما يُسمى بعملية السلام، وتعميق الإحساس لدى الشعب الفلسطيني الباسل، وبخاصة لدى الجماهير القادرة على الوصول إلى محيط القدس؛ بأن لا نصير لها· في هذه الحال، لم يتبق سوى دمنا، وهو الحي الوحيد الباقي بعد رب العزة في عليائه· إن كل قطرة من دمنا، ستكتب بياناً يفضح الناكرين لواجباتهم، والسادرين في نومهم، والمتغابين، ممن استمرأوا تطبيع الأحاسيس مع العار المستشري!