فاجأت لجنة مبادرة السلام العربية نهاية الأسبوع بالعاصمة المصرية الجميع بقبولها دخول السلطة الفلسطينية في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل وهي التي كانت إلى وقت قريب ترفضها بحجة أن الظروف لم تتوفر بعد لخوضها.وأعطت اللجنة في اجتماع استثنائي عقده وزراء الخارجية العرب الضوء الأخضر للرئيس الفلسطيني بقبول هذه المفاوضات وتركت له حرية تقدير الظروف واختيار الوقت المناسب لاستئنافها. وقال حمد بن جاسم بن جابر آل الثاني رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر رئيس اللجنة العربية ''لنكن واضحين، هناك اتفاق ولكن يجب أن نعلم أنه سيتم بحث كيفية إطلاق هذه المفاوضات'' وأضاف أنه سيترك للرئيس الفلسطيني مهمة تقدير الظروف وتحديد الوقت المناسب لإطلاقها. وتكون لجنة المتابعة العربية ومن خلال هذا القرار قد رمت بالكرة في ملعب الطرف الفلسطيني وهي التي أكدت على لسان الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى أثناء زيارته قطاع غزة المحاصر الشهر الماضي أنه لا يمكن الدخول في مفاوضات مباشرة في ظل الظروف الراهنة ويتعين حصول الطرف الفلسطيني على ضمانات أمريكية مكتوبة قبل أية خطوة في هذا الاتجاه. وكان موسى يشير إلى استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على كل الأصعدة من طرد متواصل للعائلات الفلسطينية من بيوتها وقراها واستيطان مكثف في كل شبر من أرض فلسطينالمحتلة وتهويد ممنهج للقدس الشريف وكل المقدسات الإسلامية في الأراضي المحتلة وحصار مشدد على قطاع غزة ناهيك عن استمرار الاعتقالات والتعذيب والقتل في صفوف الفلسطينيين. وهي كلها ظروف لم تتغير ولا تزال قائمة لكن الموقف العربي جاء ليغض البصر عن كل هذا والأكثر من ذلك فقد حاول الوزير القطري تبرير اتخاذ مثل هذا القرار الذي جاء مخالفا لكل التوقعات من خلال عده لبعض الأسباب التي دعت الجانب العربي للذهاب إلى المفاوضات المباشرة في وقت لم تحرز فيه المفاوضات غير مباشرة أي تقدم يذكر على مسار السلام المعطل منذ سنوات. ومن بين الأسباب التي ذكرها الوضع العربي الحالي والوضع المحيط بالمنطقة لافتا إلى أنه رغم تأكد الجانب العربي من عدم جدية حكومة نتانياهو في المفاوضات إلا أنه يريد أن يوجه رسالة للعالم تقول إنه مع السلام وهناك متطلبات لعملية السلام. ويتأكد من خلال هذا القرار أن الضغوط الأمريكية ومعها الأوروبية جاءت بنتيجتها وبما يرضي الإسرائيليين الذين رفضوا تلبية المطالب الفلسطينية لكنهم بالمقابل اشترطوا على الفلسطينيين الدخول في هذه المفاوضات سريعا ودون أية شروط مسبقة. وهو ما يفسر الترحيب الذي أبدته كل من الإدارة الأمريكية ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي راح يؤكد استعداده للتفاوض مع السلطة الفلسطينية بعدما ضمن خروجه منتصرا من مفاوضات حكومته هي التي حددت شروطها بما يخدم مصلحتها ووجدت من يدعمها في ذلك حتى من الجانب العربي. وبين راعي سلام غير مطمئن ومفاوض غير جاد في مساعيه تزداد قناعة الطرف الفلسطيني بأنه لا طائلة من إجراء مفاوضات سلام لا تبنى على قواعد جادة ومرجعية واضحة تضمن للفلسطينيين استرجاع حقوقهم المغتصبة وتقود في النهاية إلى إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس. وهي القناعة التي بدت واضحة من تصريحات المسؤولين الفلسطينيين الذين أكدوا أن الدخول في المفاوضات المباشرة بدون مرجعية الشرعية الدولية ''ستدور في الفراغ''. وقال نايف حواتمة الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين إن ''المفاوضات غير المباشرة في طريق مسدود'' مشددا على أن الحكومة الإسرائيلية تناور لكسب الزمن ومواصلة تكثيف وتوسيع الاستيطان في القدس والضفة الغربية ورفضت تقديم أية إشارة في المفاوضات غير المباشرة بشأن الحدود. من جانبه شدد سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني الفلسطيني على ضرورة وجود مرجعية للمفاوضات حتى لا تدور في الفراغ بينما الاحتلال ينهب الأرض ويغرقها بالمستوطنات والمستوطنين. وهو الأمر الذي يدركه الفلسطينيون الذين حاولوا التمسك بموقفهم في عدم تقديم المزيد من التنازلات لكنهم وجدوا أنفسهم محاصرين دوليا وإقليميا ومرغمين على الجلوس إلى طاولة حوار مفروضة لن تقود في النهاية إلا إلى إهدار المزيد من الحقوق الفلسطينية المغتصبة.