لا أنصح الشعراء بأن يطمعوا كثيرا، فيما يتعلق بإغراءات هذا العنوان، فلا شهرة، يمكن أن أعدهم بها، ولا دولارات، كما لا يمكنني أن أبشرهم بشقراوات حسان يكتسحن عليهم المدرجات، فقد كان أحرى بي أن أعنون هذا المقال ب: أدونيس يصارع ماك تايزن، مثلا أو ب: بدر شاكر السياب: في حلبة الكاتش، السياب الذي كان يقول: “كيف تدخر النقود، وأنت تأكل إذ تجوع". كان باستطاعتي كذلك أن أضع عنوانا أقل قسوة، مثل: نزار قباني يسابق السعيد عويطة.. أو الجواهري يتحدى ميسي كرويا... لو كان الشعر مهما فعلا، ومفيدا للسلطات المهيمنة دوليا، كما لقنتنا الكتب المدرسية لو كان نفيسا عند أرباب الحكم في العالم حقا لكانوا وضعوا له ميزانا دقيقا يسبر قيمته مثلما اخترع سابقوهم ميزان الذهب من قبل ميزانا يزن الشعرة وما هو دونها، أو على الأقل كانوا صنعوا له غربالا، صارما، يميز الخبيث منه من الطيب، ولكانوا سهروا على تسطير ضوابط دقيقة له، كتلك التي تجري مباريات كرة القدم وفق قوانينها الواضحة، البينة، الجلية للجميع؟ قد يقول لي البعض إن قضية إمكانية الإحصاء الكمي هذه، غير متاحة في الشعر، ولا يمكن أن نصل بها إلى درجة من الحسم مرضية، قد أوافقهم، ولكن لماذا كل هذا التسيب في الأحكام الأدبية؟ ألا يشي الأمر بوجود تعاضد سياسي ما يتيح الإنقاص من شأن الأدباء؟ إذ يمنع تعليق النياشين على أكتافهم؟ ألا يوحي الوضع الراهن، بتعمد سلطات عليا، هذا الكيل الذي بلا مكيال؟ لماذا لا يتجاسر أحد أيا كان، على بطل في المصارعة مثلا، في حين يضع أسفل السافلين من المتسمين بالشعر، أنفسهم في درجة تفوق مرتبة السابقين الأولين من فناني القول الشعري؟ على ذكر تايزن، وعويطة، إنه عصر اللياقة البدنية، وكمال الأجسام، زمن نقصان العقول، والطاقة الفيزيولوجية البشرية. إن اللياقة البدنية تعني البنتاغون، والبنتاغون هو وحده من يملك أن يقرر، في كل ما له علاقة بالناس وبالبهائم في العالم، والحال هذه لابد من أن تتم برمجة انتماءات الناس الفنية والرياضية وميولاتهم عسكريا، زيادة على أهوائهم المعلنة والمكبوتة. لا أحد على الإطلاق مهما كان، يمكنه أن يفكر تفكيرا يناقض تصورات المارينز ومخططاته، وتطلعاته، سيتم بمعاداة الإنسان والإنسانية، إن الجيش هو المعادل الوحيد لمفهوم القوة العضلية، وهي تمثله في جميع تمشكلاتها الرياضية، والفنية... وغيرها، والتي تقف وجها لوجه معلنة التحدي أمام القوة الفكرية. لذلك فإن أقرب الإشارات الخفية الذكية، الممكنة والمتوفرة، والتي يمكنها أن تتحكم في أذواق الخلق، وفي شأن اهتماماتهم لتحوّل أنظارهم إلى حقيقة السلطة، المتلبسة بالقوة، هي ولا شك إشارات الجسد، المحيلة إلى ذلك المبرمج العسكري المتفرد، يتم كل ذلك باللعب على كل ماهو جسماني، جسدي، عضلي، أو إغرائي حتى... وإلا لماذا كل هذا الاهتمام بألعاب القوى، وبالرقص، بمسابقات الجمال والأزياء وبالغناء الحركي والسينما، وبصناعة النجوم والنجمات، تحديدا دون غيرها من الانشغالات؟ حتى انشتاين الذي عملت كل المؤسسات الإعلامية النافذة في الدنيا، على جعله الرجل الأشهر على الإطلاق، فهو لا يمثل الفكر والتفكير في شيء، لأنه المرادف الحقيقي لمطلق القوة، للقنبلة الذرية، وليس لشيء آخر سواها. إنه الصراع القديم الأبدي القائم بين الجسم والعقل، بين البنية العضلية وبين الفكرة الألمعية، بين المعسكر والمفكر. إنه زمن تقديس الجسد، الذي يقضي فيه المراهق الساعات والساعات من يومه قبالة المرآة، فقط من أجل تصفيف خصلات شعره. لا يوجد على الإطلاق، من بمقدوره أن يمارس دعاية رسمية للقوة العسكرية في العالم، بالدرجة نفسها التي تقوم بها كرة القدم، في أيامنا هذه هكذا وفرت الكرة الجهد الكبير على أصحاب القرار العسكريين العالميين، الذين طالما بحثوا عن شيء، أي شيء باستطاعته أن يدل عليهم، بواسع الدلالة، ليتمركزوا في وعي الناس وفي لاوعيهم، ليتحكموا في أحلامهم وفي أوهامهم أيضا. لقد أفنى الفلاسفة حياتهم في البحث عن حجرهم، دون جدوى، لكن العسكر قد وجدوا حجرهم على ما يبدو أيامنا هذه، والذي لم يكن سوى كرة القدم. كرة القدم أثبتت قدرتها الفائقة على جلب اهتمام العالم، لا لتنافسيتها العالية، بل بسبب تقديسها للبدن، الذي لا يمثل غير العسكر، كرة القدم، إنها الناطقة الرسمية السرية بلسان الناتو، ففيها القذفة الصاروخية، والخطة التكتيكية، فيها الهجوم، والدفاع، والتسلل والكتيبة، والفيلق.. لقد أوعز بيلي أسطورة كرة القدم البرازيلية، سبب نبوغ البرازيليين في كرة القدم إلى مهاراتهم الفطرية في الرقص، إنهم مبتكرو فن التانغو، والسامبا. وهذا هو سر تفوّق لاعبي أمريكا الجنوبية عموما، لا ننسى كذلك بأن أبطال العالم الحاليين في اللعبة هم الإسبان أصحاب الفلامنكو. الرقص يذكرنا بشاكيرا، وبراقصات أخريات كثيرات، الرقص الذي يضعنا إزاء ذلك الوصف الذي تنعت به المرأة ذات الجسد المغري، إنها قنبلة، بل صاروخ، بل رصاصة قاتلة، لا يمكن أن تطيش أبدا. لذلك جاء الرقص الصوفي، ردا على سطوة الجسد العسكرية، بتلك الإشارة الصارخة، بتلك اليد الممتدة صوبا إلى السماء، يد هي للأخذ تنتظرها يد ثانية نازلة بالعطاء. يمكننا الانتباه إلى تلك العلاقة التي هي بين الأرضي والشهواني، في الرقصات الشرقية مثلا، التي تنزل إلى الأرض، معلنة استعدادها الإغرائي، فالنزول هو إشارة إلى الاستماع الى صوت الطين، صوت نزوة الجسد، كرة القدم هي الأخرى، تلعب على الأرض، في أغلب الوقت، على عكس رقصات البالي، التي يصعد فيها الراقصون إلى الأعلى، جهة السماء، حيث القوة الإلهية. كتبت لكم اليوم هذا المقال وأنا طريح الفراش، بعد تعرضي لكسر في قدمي، قال لي أحد الأصدقاء أتى ليعودني: “سلامة راسك" قلت له: هل كنت لتقول لميسي نفس هذا الكلام لو كان في مكاني هنا، “سلامتك رجلك" هو ما سيقال بدل “سلامة راسك" حتى في المجتمع الجزائري، فالمستقبل كله هو للياقة البدينة، في هذا الزمن الذي لا رأس له.