''بيتر بان'' الطفل الذي رفض ان يكبر مخافة تحمل مسؤوليات الحياة وهلعا من الموت، قام أول أمس بزيارة المسرح الوطني الجزائري، في عرض أنجزته التعاونية الثقافية »الهيئة« وقدمته نوارة أديمي بصمة جزائرية في فضاء مليء بالألوان ومفعهم برقصات جميلة ومتنوعة. بدأ عرض »بيتر بان« بشخصية ويندي العجوز التي تتذكر مغامراتها عندما كانت شابة مع صديقها بيتر بان الذي يقحمها في عالمه الخيالي، حيث تجد الجنية »كلوشات« التي تغار كثيرا من علاقتها مع بيتر، وتحاول أن تسبب لهما الكثير من المتاعب الى درجة التعاون مع القرصان »كروشي« للقبض على ويندي وأخواتها والبنات المخطوفات وكذا على ليلى النمرة، ولكن بيتر بان الشجاع يستطيع أن ينقذ الجميع ويتخلص نهائيا من كروشي. وجاء العرض مليئا بالألوان والحركة، بحيث أدى الراقصون والراقصات رقصات كلاسيكية وفي بعض الأحبان معاصرة بشكل متناسق بصفة عامة، وجاءت هذه الرقصات بإيقاع سريع وأحيانا متباطئ ضمن لوحات فنية اختارتها نوارة أديمي من حكاية بيتر بان الشهيرة، وهي لوحات العالم الخيالي، القراصنة والهنود الحمر. وتجاوب الجمهور الحاضر مع أداء الراقصين المتميز، وكذا احترافيتهم، كما اعجب الحضور بألبسة الراقصين التي تنوعت في أشكالها وألوانها، علاوة على طريقة تجسيدهم لأدوارهم والتي اقتصرت على الرقص فكانت أجسادهم وملامح وجوههم تعبر عما يريدون إيصاله للجمهور. وفي هذا السياق قدم سفبان دريسي (بيتر بان) عرضا متميزا، بحيث برهن على امكانياته في الرقص الكلاسيكي، فكانت حركاته متقنة، نفس الكلام يمكن أن يقال عن آمال دروق التي لعبت دور الجنية كلوشات، التي أتقنت رقصاتها، خاصة تلك التي قدمتها وهي واقفة على أطراف اصابعها. واستطاعت الرقصات الجميلة تغطية النقص الذي تمثل في الديكور البسيط المستعمل في العمل والذي لم يلائم بصفة كبيرة عرضا يتناول عالما خياليا بمناظر خلابة، علاوة على لوحات القرصنة والهنود الحمر، إلا أن نوارة أديمي وفي ندوتها الصحفية التي عقدتها قبل العرض، كشفت أن نقص الإمكانيات اللازمة لإنجاز مثل هذا العمل، أجبرها على اتخاذ ديكور بسيط ولكنه معبر. مضيفة أن غياب قاعة رقص للتعاونية، صعب ايضا من إنجاز ''بيتر بان''. للإشارة، ''بيتر بان''، قصة للكاتب الاسكتلندي جيمس باري، كتبها في بداية القرن العشرين وتحمل في طياتها الكثير من الرموز والمعاني من بينها الخوف من الكبر وخشية الموت، كما تطرق الكاتب فيها الى تمسك بيتر بالعالم الخيالي، ليس لجماله فحسب، بل لأنه غير محدد بزمن، وبالتالي لا نهاية له. كما يمثل الصراع بين بيتر بان والقرصان كروشي، مسألة النزاع بين الخير والشر، بالمقابل اختارت نوارة نهاية سعيدة لهذه القصة، بينما في الحقيقة بيتر بان ينسى جميع اصدقائه ويتحول الى قرصان حتى يستمر توازن الحياة في الصراع بين الخير والشر.وتمنت نوارة تقديم المزيد من الأعمال ولن يتحقق هذا إلا بتوفر الإمكانيات اللازمة، وإلا لن يعرف الرقص في الجزائر النور، وفي الأخير تحية لفريق عمل التعاونية الثقافية ''الهيئة'' الذي رفع التحدي وقدم عرضا جميلا لمحبي الكوريغرافيا.