يهجر الإنسان بلده، يولد في بلد أجنبي بهوية بلده الأصلي، يقضي سنوات وعقود بعيدا عن أقاربه وأصوله، يعيش حياة أفضل ماديا.. ورغم ذلك تبقى هويته الأصلية تعانقه وتسكن وجدانه إلى آخر يوم من حياته، هذه هي قصة الفنانة البلجيكية “ساندرا زيداني" الجزائرية الأصل التي قدمت عرضا مسرحيا بعنوان “العودة إلى الجزائر" تروي فيه آلامها جراء البعد عن الجزائر والتوق للعودة إلى الوطن وتمسكها بالهوية الموروثة. كان الجمهور البجاوي في اليوم ما قبل الأخيرة من الطبعة الرابعة للمهرجان الدولي للمسرح مع مونودرام مميز من حيث الموضوع المعالج وطريقة العرض، تجاوب معه لمدة قاربت الساعة والنصف من الزمن. هذه المسرحية كتبتها وأخرجتها وجسدتها فوق الخشبة الفنانة البلجيكية “ساندرا زيداني" الجزائرية الأصل والتي تنحدر من منطقة تامدة بولاية تيزي وزو، ولدت ببلجيكا من أم بلجيكية وأب قبائلي. تروي هذه المسرحية قصة حقيقية عاشتها “ساندرا" وتتطرق إلى الهوية الموروثة وأدمجت لها بعض الإضافات الخيالية لصنع أجواء من المتعة والضحك بطريقة هزلية. بدأ العرض المسرحي باتصال هاتفي بين “ساندرا" وصديقها الجزائري المغترب يخبرها بأنه يستعد للسفر إلى الجزائر في عطلة، وخلق ذلك هوسا في نفسها، قررت هي الأخرى زيارة الجزائر لأول مرة، حيث كانت تتوق للوطن، لم تر بلدها منذ ولادتها، وعندما بلغت 40 سنة من عمرها مات والدها الذي هجر إلى بلجيكا سنة 1948 ولم يحقق حلمها باصطحابها إلى الجزائر، لكن الهوية الأمازيغية والجزائرية التي كانت تسكنها منذ أربعة عقود ساعدتها على كسر كل الحواجز والموانع النفسية وسارعت إلى حجز تذكرة سفر وتحمل حقائبها وتتوجه إلى المطار للسفر إلى الجزائر، وهي في الطريق كان يمتلكها شغف كبير للوصول إلى البلد وقلق شديد من موقف أهلها بالجزائر، لأنها لم تزرهم من قبل ولم تتعرّف عليهم. وصلت إلى المطار وكان حظها سيء وبسبب رداءة الأحوال الجوية وتساقط الثلوج بكثافة وتراكم الجليد تم إلغاء كل الرحلات الجوية، وبقي المسافرون عالقون ومحاصرون في المطار. وكان تواجد “ساندرا" داخل المطار فرصة للجمهور بالقاعة الكبرى للمسرح الجهوي عبد المالك بوقرموح للاستمتاع وقضاء أوقات مميزة سادها الضحك، حيث نجحت “ساندرا" في تقمص أدوار عدة شخصيات على غرار مسافرة جزائرية، مسافرة أسترالية، عاملة في الطائرة، منظفة وعامل الصيانة، مسافرة أمريكية من طبقة برجوازية على علاقة ببعض الوزراء الجزائريين والمسؤولين السامين أصحاب “فيلات حيدرة" كما سمتهم، وفي كل شخصية كانت تغير صوتها وزيها، ومن وقت لآخر تعود إلى شخصيتها الحقيقية، حيث حاولت من خلال ذلك إظهار سلوكيات الجزائريين في الغربة، وكذا الصورة التي يتعامل بها الآخرون مع الجالية الجزائرية من عنصرية واحتقار، وذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث تطرقت إلى التفكير السلبي للأوروبيين حول الجزائريين واعتبارهم إرهابيين بسبب ما عرفته الجزائر خلال العشرية السوداء. كما صنعت الفنانة جوا ساخنا بالغناء والموسيقى تجاوب معه الجمهور بحرارة خصوصا خلال أدائها لأغنية جاك برال وضعت لها عنوان “الجزائر". وكانت “ساندرا" جالسة في المطار تنتظر تحقيق حلمهم ورحيل الطائرة اتصلت بها صديقتها البلجيكية لتدعوها إلى العشاء، وأخبرتها “ساندرا" أنها في المطار وتسافر إلى الجزائر وبالضبط إلى تيزي وزو، لكن صديقتها حذرتها من المغامرة وقالت لها إن الجزائر تعيش الإرهاب وأن تيزي وزو تكثر فيها الاعتداءات، لكن ساندرا كسرت حواجز الخوف وقررت السفر مهما كانت النتيجة، لأن هدفها كان وضع قدميها في أرض أجدادها ومقابلة الأهل قبل وفاتها خوفا من أن يحدث لها ما حدث لوالدها. ورغم الانتظار الطويل والتأخر الكبير للرحلات الجوية بسبب الثلوج إلا أن “ساندرا" حققت حلمها وانتظرت في المطار إلى غاية تحسن الأحوال الجوية وسافرت إلى الجزائر، وجدت بلدها الأصلي والتقت بأهلها وعاشت أوقاتا من السعادة والحب والهناء في كنف الهوية الأصلية، وانتهى العرض المسرحي بأغنية الفنان القبائلي إيدير بعنوان “تيزي وزو".