إحتفل المسرح الجهوي عبد المالك بوقرموح ببجاية على طريقته الخاصة بالذكرى ال 58 لاندلاع الثورة التحريرية المصادفة لأول نوفمبر، حيث عرض ليلة الأربعاء المنصرمة في إطار الطبعة الرابعة للمهرجان الدولي للمسرح المحترف مسرحية بعنوان “1930" وهي مسرحية تاريخية جاءت لتستحضر كفاح الجزائريين قبل الثورة وتظهر وعيهم الناضج في أن الحرية لن يتم استرجاعها من المستعمر التي سلبها منهم إلا بالقوة. أخرج هذه المسرحية الفنان بازو، حيث ظهرت لمسته الفنية في توظيفه للموسيقى والغناء التي يشتهر بها هذا الفنان، وجاءت كمزج بين كوميديا موسيقية وحركات كوريغرافية راقية ودقيقة. تدور أحداث المسرحية في حي القصبة بالجزائر العاصمة، تروي قصة الشاب المدعو بلقاسم ذلك اللص الخطير والخارج عن القانون في نظر المستعمر الفرنسي، وهو ذلك البطل الشجاع في نظر السكان الذين يعيشون في هذا الحي وهم مزيج من الجزائريين والمعمّرين، وأظهرت المسرحية بتلك الحركات الفنية تعايش الجزائريين والمعمرين باختلاف جنسياتهم وأصولهم، حيث تعارفوا وتحابوا وتكارموا بعضهم البعض حتى من بؤسهم، لكن تواجد المستعمر وسياسته “القهرية" تتسبب في فقدان الثقة بين السكان وتفاقم الشك أوساطهم. ورغم بطش الاستعمار وقوته، إلا أن الإدارة الكولونيالية عجزت عن القبض على البطل بلقاسم الذي أربكها بتمرده وشجاعته واستطاع أن يمارس مهنة اللصوصية بكل حرية وساعده في ذلك تعاطف سكان القصبة معه ما جعل القبض عليه شيئا عسيرا. تتعاقب الأحداث وتتصادف مع تغيير الإدارة الفرنسية المسؤولين الأمنيين بالجزائر وعينت نقيبا جديدا للشرطة الذي أتى بوسائل وطرق حديثة، ذلك النقيب الذي مارس عدة أعوام في صفوف الجيش الفرنسي كانت له طرق جهنمية وراديكالية زعزت يوميات الجميع منهم السكان الجزائريين والمعمّرين حتى أن الفتاة “إينا" وهي ابنة أحد المسؤولين الأمنيين الفرنسيين رفضت هذه السياسة الكولونيالية الجديدة وانتقدتها بشدة وعبرت علنيا عن تعاطفها الكلي مع اللص بلقاسم ومنحت له كل الحق في الدفاع عن بلده بطريقته الخاصة. وفي ليلة احتفال الفرنسيين بمرور قرن عن الاستعمار وبالضبط في سنة 1930 أقامت الإدارة الاستعمارية حفلا ساهرا واستطاع بلقاسم أن يقتحم قاعة الحفل وأن يتقمص دور النادل بمساعدة صديقته “أينا"، يحاول الثأر من والده الذي اغتالته السلطات الفرنسية غدرا والثأر من تجويع أهله والشعب بأكلمة، لكن سرعان مع تم اكتشافه من طرف إحدى المعمرات التي أخبرت العسكريين، هؤلاء حاولوا قتله لكنه تعرّض إلى إصابة ونجح من الفرار قبل أن يتم القبض عليه حيا، ولم يمر اعتقاله بهدوء بل تسبب في فوضى عارمة بحي القصبة، حيث أشعل في نفوس الجزائريين شعلة التحدي والإتحاد، وأخرج من قلبوهم ذلك الخوف الذي كان يسكنهم ليتحوّل التعايش القائم بين الأهالي والمعمّرين إلى تصادم شديد وصراع حاد، حيث دفع بلقاسم أهالي القصبة للخروج في مظاهرات عارمة يطالبون بإطلاق سراح بطلهم بلقاسم. ورغم جبروت الاستعمار وسياسة الاضطهاد والقتل والسجن والترهيب، إلا أن الجزائريين واصلوا في درب التحدي، لتنتهي المسرحية بتقديم صورة عن أن الجزائريين واعون وفهموا أن الاستعمار الفرنسي الذي دخل بالقوة لا يمكن له أن يخرج إلا بالقوة. وما ميز مسرحية 1930 هو أنه طغت عليها الكوميديا والغناء والموسيقى والرقص بموسيقى شعبية وأغاني جزائرية وفرنسية، ونجح الكوميديون بالرحيل بالجمهور إلى أكثر من 82 سنة إلى الوراء واستحضرت بطولات الجزائريين في التصدي للاستعمار الفرنسي ونضالهم بكل الطرق.