تشهد منطقة شمال مالي والساحل عموما وضعا مأسويا مترديا ومنزلقا خطيرا ينذر بحرب إقليمية خطيرة وطويلة المدى قد تأتي على الأخضر واليابس وتنهار معها السيادة الوطنية لكثير من الدول، وما زاد في تعقيد الأمر أن تُقرع طبول الحرب باسم الشرعية الدولية وحق تدخل القوى الأجنبية عسكريا لإحلال الأمن والسلام أو إنهاء النزاع وكأن سيناريو أفغانستان وليبيا والصومال يتكرر من جديد وتنشأ في جسم الأمة الإسلامية بؤرة توتر أخرى تضاف للجراح الدامية في الأمة الإسلامية، وهذا يتوجب علىكل المخلصين في منطقتنا من مختلف القوى وفي مقدمتهم العلماء والأعيان وشيوخ القبائل وهم مراجع شعبية لهم مكانتهم وكلمتهم في أقوامهم أن ينبروا للواجب الشرعي التاريخي في درء المخاطر ودفع المظالم وجلب نعمة الصلح والسلم لأقوامهم خاصة ومبررات الخروج والانفصال وحمل السلاح عند الجماعات المختلفة في شمال مالي هي مبررات دينية ووطنية وحجج شرعية تحتاج من علمائنا الحجة القوية والإقناع الهادئ والرشيد والحوار الهادف لصيانة الوحدة الوطنية للشعب المالي دون استثناء، خاصة وأن الحالة المالية سواء في الشمال أو الجنوب تمثل وحدة دينية وهم أوشاج متناسقة تناسقا كاملا في كل النواحي حتى التركيبة السكانية متجانسة ومتصاهرة في غالبها. أيها العلماء والأعيان والمشايخ إن الحالة المالية، كما تعلمون، ليست حالة انفصالية في عمقها، فهي للتواصل والوحدة والصلة أقرب لاعتبارات كثيرة ولا تحمل في عمقها خصائص الانفصال والتمزق كما هو الحال في كثير من النزاعات في العالم التي عرفت انفصالا في نهايتها، بل هي حالة تاريخية وتنموية ومؤسساتية وثقافية غير متوازنة وقعت فيها كثير من الأخطاء والمظالم، ولكن هذا يستدعي منكم أيها العلماء والأعيان وقفة تاريخية حاسمة تدفعون بها عن مالي وشعبه وسائر شعوب المنطقة مخاطر الحرب ومآلاتها الوخيمة التي تترك في أمتنا عاهات مستديمة. إن الذين يدفعون نحو استعمال الحرب والتدخل الأجنبي في الساحل، إنما يفعلون ذلك من منطلق رؤية قاصرة للأزمة وقراءة سياسية مبتورة عن حقائق الواقع والتاريخ ويعتقدون أن القوة والغلبة هي الوحيدة في فك النزاع، ولكن الحقيقة التي تقرها الشواهد والوقائع في عصرنا الحالي أن الذي يملك قرار الحرب لا يملك معه قرار إيقافها، وهناك قرارات حربية صدرت بشرعية دولية لم تنه الأزمات رغم توقف الحرب، ولنا في زماننا كثير من الشواهد القائمة، حيث دخلت القوات الأجنبية وخرجت ومازالت الأزمات قائمة إلى يوم الناس هذا والحالة الصومالية خير شاهد. لأن هذه الحرب إن حدثت، لا قدر الله، فالذي يدفع الثمن هم الأبرياء، فيكون منهم القتلى والجرحى واللاجئون وتخرب البيوت والمنشآت والمساجد وتهدم البنى التحتية وتهلك المواشي والبهائم. أما الجماعات المسلحة في المنطقة فيتحولون بهذه الحرب إلى أشباح تصعب مطاردتهم خاصة في صحراء الساحل الشاسعة ويقع الاستنزاف وتقام قواعد عسكرية غربية في أوطاننا وتسلب السيادة الوطنية. أيها العلماء والأعيان والمشايخ إن الحلول المقترحة اليوم للنزاع والانفصال في شمال مالي مقتصرة غالبا في المجال السياسي والدبلوماسي الضيق والحل الأمني والعسكري في الغالب، ولكن هناك سبلا أخرى يتعين علينا انتهاجها قبل فوات الأوان، ومن أبرز هذه السبل هو الحوار الهادف متعدد الأطراف ومد الجسور واستغلال كل ما له علاقة بالنزاع من أجل إيجاد أرضية توافق وطني في المالي. وأنتم أيها العلماء تملكون القدرة على الحوار وإدارته لما تملكونه من مصداقية شرعية مع الجميع وتقاسمون الجميع في شمال مالي مرجعيتهم الشرعية وهي المنطلق في الحوار والفيصل عند الخلاف. أيها العلماء والأعيان والمشايخ لقد عُرضت قضية مالي على هيئة الأممالمتحدة، وقرر مجلس الأمن فيها بإمهال الدول المجاورة ومالي نفسه مهلة لوضع خريطة طريق لإنهاء النزاع لفترة 45 يوما. يجب عليكم أيها العلماء والمشايخ أن تضعوا لمستكم ورؤيتكم للحل والخطوات التي يجب اتباعها لحل النزاع، أولا بتأجيل خطوة الحرب والتدخل الأجنبي في الساحل، وثانيا فسح المجال للحوار والإقناع وجلب الجماعات الانفصالية والجهادية لمائدة الحوار، وثالثا إجهاض كل مساعي التأزيم والتيئيس أو استغلال النزاع في أجندة سياسية خاصة وحسابات ضيقة فيها تجاوز للواقع والحقائق التاريخية والجغرافية. ومن هنا ندعو كل العلماء والأعيان والمشايخ في أمتنا الإسلامية خاصة علماء الساحل والدول المجاورة له للمساهمة في إخماد نار الفتنة، وقال الله عز وجل “الفتنة أشد من القتل" بتجلية الحوار والتفاهم والتفاوض وفسح الفضاء له ليسع كل الأطراف إلا من رفضه. يجب أن تتجه جهودكم إلى كيفية تجنيب الساحل خطر الحرب من الخارج ونبعد عنه التفكك من الداخل، وأن يشدَّ العلماء على يد إخوانهم العلماء في مالي والتعاون مع الحكومة المالية ودعمها معنويا لتستوعب الأزمة في مقاصدها وأبعادها المختلفة وخلفياتها لكي لا تتعثر أمام العقبات التي توضع أمامها بقصد أو غير ذلك، فتنهار الدولة الوطنية، فيضيع القرار السياسي السيادي. أيها العلماء والأعيان والمشايخ ندعوكم للتحرك سريعا لإطلاق مبادرة شعارها “الحوار أولا والإنصاف والسلم نهاية" أنتم دائما طرف في الحل ولستم طرفا في الأزمة * عضو مؤسس لمنتدى الوسطية لشمال وغرب إفريقيا الإثنين 20 ذي الحجة 1433 الموافق ل 05 نوفمبر 2012