ترى مديرة البالي الوطني الجزائري وأستاذة الرقص الكلاسيكي والكوريغرافية، أن البالي الوطني لن يكرر شكله القديم، بعد أن تسلمت إدارته منذ شهرين تقريبا، وقالت إنها لا تخشى التجديد فيه، وستضع كل الثقة والإمكانات في الراقص الجزائري، حتى لا يتكرر سيناريو فرار 2010، مؤكدة أن السبب الأول لمغامرة الشبان الستة هو الملل والفراغ الذي ميز الحياة في صفوف البالي. كيف هو واقع الرقص المعاصر والكلاسيكي في الجزائري؟ يتطور بشكل جيد ومنتظم، بصدق ودون مبالغة، بالنظر إلى طلبات الصغار والكبار المتزايدة على المجال الفني الراقي، وتهافتهم على أقسام الرقص في مختلف المدارس أو تلك التابعة للديوان الوطني للثقافة والإعلام. برامج الرقص التقليدي والشعبي تعمل في الاتجاه العالمي والمعاصر. هناك مواهب. تحدثت إلى بعض الفرق، التي أكدت لي أنها تعتمد أساسا على حبها للرقص وموهبتها، إلا أنه في المقابل لم تستفد من تكوين يؤهلها لمزيد من العمل المحترف؟ أعتقد أنك تحدثت أكثر مع الهواة وليس المحترفين. ولأجل هذا السبب، ولعلمي أن هناك طاقة مشعة عند هؤلاء، فكرنا في فتح أقسام خاصة بالبالي الوطني تستقبل مثل هذه الفرق للتربص، وقد أعلنت عن ذلك عبر الصحافة الوطنية وأكررها اليوم من خلال جريدتكم، وأقول لكل من لديه الرغبة في احتراف الرقص الكلاسيكي والمعاصر أن يتقدم إلى البالي الوطني، وسيجد فريق محترف يشرف على عملية اختيار الأفضل (كاستينغ)، ليستفيدوا فيما بعد من تكوين نريد أن ينتهي بالتحاقهم النهائي بصفوفنا كفنانين محترفين، إذا ما توفرت لدينا الإمكانات اللازمة لذلك. ماذا تقصدين بالإمكانات اللازمة؟ بطبيعة الحال الأموال بالدرجة الأولى، ثم الفضاء والتأطير اللازمين لهم. علينا أن نضمن لهم على الأقل منحة خاصة بفترة تكوينهم، ثم علينا أن نفكر في ميزانية تغطي أجورهم في حالة توظيفهم عندنا، فنحن مؤسسة تحترم بنود العمل، ولا يمكن أن نلتزم مع أحد دون توضيح طريقة التعامل. هل يعي هؤلاء الشباب ماذا يقدمون، هل هو مجرد رقص واتباع للوضة، أم هو تعبير جسدي يتعمّق في حالات شعورية ولا شعورية تجد لها تفسيرات جمالية وفكرية؟ بعض الفرق تعي ما تفعله عندما تكون على الخشبة، كما هو الحال مع فرقة الرقص التابعة لدار الثقافة لعين الدفلى التي حازت في 2011 على الجائزة الخاصة بلجنة التحكيم التي كنت رئيستها، ولأن هذه الفرقة استفادت من خبرة أحد الممثلين المسرحيين الذين لقنهم أبجديات التعامل مع الخشبة، ففهموا أن المسرح له لغته الخاصة. من الضروري أيضا أن تبادر أي فرقة بالبحث في مجال الرقص المعاصر أو غيره، أن تتخذ من كل المصادر منبعا لها لتوسيع مداركها، وإلا لن يكون عرضها بالعمق الفني والفكري المنتظر. نسجل تراجعا محسوسا للعنصر النسوي في فرق الرقص؟ نعم، نشعر فعلا بتقلص عددهن في كل مرة، ونسجل هذا التراجع أكثر عند فرق الهيب هوب، ربما لأن الذكور يفسرون ذلك ب “فحولية" الرقصة، إن صح التعبير. أما في الرقص الكلاسيكي، فثمة انجذاب محسوس من قبل الفتيات الصغار وأهلهن، إذ يمكن أن أحصل على أربعة أولاد فقط في فرقة من عشرين بنتا مثلا. لكن علينا أن نجد توازنا بين هذه الأنواع من الرقص. يعاني البالي الوطني الجزائري من قلة الإنتاج، نكاد جميعا نحفظ اللوحات التي تقدم في كل مناسبة، لماذا يستغرق البالي كل هذا الوقت لتقديم عمل جديد؟ فيما يخصني، وأنا على رأس البالي منذ شهرين تقريبا، قدمت عملا جديدا اسمه “الدزايرية"، قدمناه بمناسبة المهرجان الدولي للرقص، مؤخرا، ونال إعجاب الحضور، وهذا هو الأهم. هو لوحة جديدة في انتظار ثانية بعنوان “قرقابو" والثالثة “تلمسانية" ورابعة أيضا سنرفع عنها الستار تباعا، لنؤكد أن البالي الوطني مؤسسة تتحرك دائما، ومفعمة بالنشاط، عكس ما تراكم عليه من أفكار مسبقة وأحكام. أصارحك القول، إنني قبل عرض “الدزايرية" على وقع أغنية نصر الدين شاولي، نصحني البعض بالحذر من المغامرة، على أساس أنني أجرب نمطا استعراضيا مخالفا للمعهود، إلا أني أصريت على تقديم العمل اقتناعا بضرورة تجديد طريقة عمل البالي والتعامل مع نوعية الجمهور المتغير والمتحول والمتفتح على ما لا نهاية من الصور والمشاهد. إذن لا تخافين من التجديد وستغيرين وجه البالي الشاحب؟ لا أخاف بتاتا من التجديد وتغيير طريقة العمل، بالعكس أنا مطمئنة جدا بالنتائج الأولية وما سيليها، وصورة البالي ستكون بخير مستقبلا، لأننا نحترم راقص البالي، نثق في قدراته ونقدرهم حق قدرهم بدءا بأجر يليق بهم، علما أننا نملك الإمكانات اللازمة، ورواتبهم لا تقل عن الآخرين بشيء. يبقى علينا أن نمنحهم أيضا لوحات كوريغرافية جميلة ليترجموها على الخشبة. عندما بلغ خبر تعييني على رأس البالي، بلغني أن الأعضاء تساءلوا ألف سؤال حول طريقة عملي، خاصة وأني قادمة من مدرسة الرقص الكلاسيكي، لم يكونوا سعداء جدا لقدومي، لكني تفهت تحفظهم وأفهمتهم أهمية المرور على الكلاسيكي قبل تجريب أنواع أخرى. وهل تملك الجزائر ما يكفي من الأساتذة لتأطير الطامحين لهذا المسار؟ نعم، ما يكفي من الأساتذة والمعلمين. أعلم أن ما يقال هو العكس، مع أنه خاطئ مرده إصرار بعض الأطراف على التقليل من شأن الإمكانات الجزائرية وإطاراتها. مع أن بلادنا أرسلت دفعات إلى الإتحاد السوفياتي ولصين هي اليوم قاعدة أساسية لتكوين الأجيال الصاعدة. من بين ما ورثته عند تسلمك مهام البالي الوطني، قضية الراقصين الستة الفارين إلى كندا في 2010؟ ورثت الكثير من المشاكل بدءا من صراع الأجيال وصولا إلى قضية الراقصين الفارين كما تسمينهم. بطبيعة الحال حاولت فهم ما حدث، لا أعرف هؤلاء، لكني سألت أصدقاءهم فأجابوني بصراحة أن الروتين والملل هو ما دفع تلك المجموعة إلى تلك المغامرة غير الناجحة، حسب معلوماتي. أما زملائهم هنا فأخبرتهم أنهم قادرون على التألق هنا وليسوا بحاجة إلى الهروب، ومن واجبنا كمسؤولين أن نمنحهم الثقة والإمكانات ليحققوا أحلامهم هنا.