لم تشكل الحملة الانتخابية المرتبطة بمحليات 29 نوفمير استثناء - قياسا إلى الحملات التي سبقتها - من ناحية الإفراط في العموميات والابتعاد عن تقديم حلول تقنية لمشاكل المواطنين، حيث طغى على الخطاب المستعمل لدى رؤساء الأحزاب، منذ بداية الحملة قبل ثلاثة أسابيع، اعتماد طروحات.. تشكل مجتمعة صورة للتعبئة العامة أكثر من كونها عناصر لصيقة بهموم المواطن اليومية من حيث التمنية على المستوى المحلي. لم تخل يوميات الحملة الانتخابية من الإشارة خصوصا إلى الرهان الأمني وأهمية الإستقرار، ولئن كان أحمد أويحيى الأمين العام للأرندي يؤكد في كل مرة أن الجزائر اجتازت الأصعب في حربها على الإرهاب، إلا أن رئيس الحكومة الأسبق عرف كيف ينقل اهتمامات المواطنين الحاضرين في التجمعات نحو الملف الحساس في شمال مالي كمحور تعبئة مثالي لجذب الانتباه والالتفاف حول مؤسسات الدولة التي تعتبر إطارات ومنتخبي الأرندي جزءا فاعلا فيها. وفي الواقع فإن أويحيى، كما الأمين العام للأفلان عبد العزيز بلخادم، اعتمد كلاهما أثناء الحملة الانتخابية خطابا لا يخلو من ظلال الإحساس بالقوة في الساحة السياسية اعتبارا من نتائج التشريعيات الماضية. وإذا كان أحمد أويحيى لم يفته في كل مرة الإشادة ب “الإنجازات" التي تحقق جزءا معتبرا منها في ظل ترأس أويحيى للجهاز التنفيذي، فإن عبد العزيز بلخادم أضاف إلى ذلك لمسة الرصيد التاريخي للحزب وارتباطه بنضال الجزائريين، وهو الذي وقف في إحدى خرجاته الجوارية على المعالم التاريخية الخاصة بالأمير عبد القادر رمز المقاومة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي. ولكون السياسة هي فن الممكن، فإن غالبية خطابات رؤساء الأحزاب المشاركة في الانتخابات جاءت خالية من الوعود تقريبا، وبدا هؤلاء على أقصى درجة ممكنة من الحذر وهم الذين يؤكدون في كل مرة أن قانون الولاية والبلدية جاء مجردا للأميار من الصلاحيات ومن أبرز منتقدي هذا القانون في الحملة الانتخابية، التي انتهت، أمس الأحد، رؤساء وأمناء عامون في أحزاب الأفافاس وعهد 54 والجبهة الوطنية الجزائرية التي اعتبر الرجل الأول فيها موسى تواتي في أحد تجمعاته الشعبية رئيس البلدية “مسكينا" أمام “سيده" رئيس الدائرة أو حتى الأمين العام للبلدية، الذي لا يستطيع - أي رئيس بلدية - تنفيذ أي مشروع لصالح المواطنين في الجماعة المحلية. وطبعا، فإن هذا النوع من الانتقادات لم يظهر كثيرا في خطابات زعماء الأحزاب المنتصرة في التشريعيات الأخيرة - الأفلان والأرندي - وهي التشكيلات السياسية التي تتهمها أحزاب المعارضة أو فلنقل تلك التي لم تحصل على مقاعد كثيرة خلال تشريعيات ماي الماضي.. بأنها أحزاب “مدللة" من طرف السلطة وتتفاهم جيدا مع الإدارة صاحبة اليد الطويلة في منح المشاريع وتنفيذها. واعتمد رؤساء أحزاب التكتل الأخضر، من جانبهم، خطابا معارضا بشكل محسوس، لا يخلو هو الآخر كيل الانتقادات للسلطة والأحزاب التي فازت في التشريعيات الأخيرة ولو ضمنيا، ولئن كان زعماء أحزاب هذا التكتل يذكرون الجزائريين في كل مرة بأن أصوات ناخبيهم قد تم التلاعب بها من باب “إزعاج منافسيهم" الأساسيين في المحليات، إلا أن الإسلاميين زادوا على ذلك اعتماد خطاب مفعم بالمفاهيم الكلية بدلا من تركيزه على التنمية المحلية، وهذا ما نجده مثلا في حديث رئيس حركة “حمس" عن أهمية تغيير الذهنيات، كما أن خطاب الإسلاميين نحا أيضا منحى التعبئة حول قضايا الأمة الرئيسية مثلما حدث مع نائب الحركة عبد الرزاق مقري الذي أثار الحرب الأخيرة على غزة في أحد تجمعاته الشعبية. ومن المؤكد أن موقع كل طرف من السلطة كان له التأثير الأول في طبيعة الخطاب السياسي المنتهج خلال الحملة الإنتخابية، فالأحزاب التي تملك حصة الأسد في البرلمان والجهاز التنفيذي يتناول رؤساؤها وأمناؤها العامون قضايا ترتبط بالاقتصاد الكلي والأمن على الحدود والدبلوماسية والمشاريع الكبرى التي يتم التذكير بشأنها دائما أنها تندرج ضمن برنامج رئيس الجمهورية. أما الأحزاب التي هي أقل حضورا في البرلمان وفي الجهاز التنفيذي، فلم تتحرج خلال الحملة من اعتماد خطاب معارض يظهر نقائص التنمية ويعري “لاكفاءة" المسيرين والمنتخبين المحليين في أقل الأحوال أو يعري، في أقصى الأحوال، مساوئ السلطة بقوة - كما يفعل الأرسيدي مثلا - أو يلوح ب “سحابة الربيع العربي" مثلما يفعل الإسلاميون الذين يعتقدون دائما أنها لم تغادر سماء الجزائر وفق التعبير الذي يحب دائما أبو جرة سلطاني استعماله أمام الآخرين. وعدا كل ذلك، فإن الأحزاب التي شاركت في الحملة الانتخابية التقت كلها حول مسألة تشجيع المواطنين على الانتخاب كسبيل لتحقيق التغيير “الهادئ والسلمي" مثلما يرى علي العسكري الأمين الوطني الأول للأفافس أو قطع الطريق أمام محترفي “التزوير" كما ترى نعيمة صالحي رئيسة حزب العدل والبيان. ويمكن القول إن ما يحسب للحملة الانتخابية المنتهية هو إثارة بعض القضايا التي كانت تستأثر فعلا باهتمام الجزائريين كما هو الشأن بالنسبة لمسألة إقراض “الأفامي" الذي اعتبرته رئيسة حزب العمال لويزة حنون في أحد تجمعاتها فعلا “لاأخلاقيا"، في حين اعتبره الأمين العام للأرندي أحمد أويحيى فخرا ومظهرا من مظاهر القوة لبلادنا.. وهي مواضيع شكلت نقاط ارتكاز أحيانا في شد انتباه الناخبين، فضلا عن الصدى الدولي الذي حققته على مستوى الفضائيات العربية.