تطرح التعديلات في الأسعار التي أعلنت عنها وزارة النقل في مجال النقل الجماعي الحضري للمسافرين والنقل عن طريق سيارات الأجرة، عدة تساؤلات من ناحية أن الرفع من الأسعار لم يرد في قانون المالية لسنة 2013، فضلا عن كون الرفع من هذه الأسعار الذي يندرج، وفق وزارة النقل، في إطار التكفل “الموضوعي والتدريجي" بتطور تكاليف الاستغلال، ينبغي أن يترافق مع الرفع من مستوى الخدمات التي تبقى دون المستوى بشهادة كل الزبائن دون استثناء. أشار بيان لوزارة النقل بخصوص الأسعار الجديدة، التي دخلت حيز التنفيذ مع بداية العام الجديد، أنه بالنسبة للنقل الجماعي الحضري للمسافرين لمسافة قصوى تقدر ب 30 كلم، فقد حددت الوزارة أسعار النقل ب 20 دينارا لمسافة تصل إلى 10 كيلومترات، و30 دينارا بالنسبة لمسافة 20 كلم، فضلا عن سعر 35 دينارا بالنسبة لمسافة 30 كلم. وحددت الوزارة أسعار النقل الفردي عن طريق سيارات الأجرة ب 15 دينارا للكيلومتر الواحد، ونقل المسافرين أثناء السير ب 20 دينارا في الكيلومتر الواحد، فضلا عن 20 دينارا في التوقف للانتظار لمدة 15 دقيقة، ونقل الأمتعة التي تفوق 15 كلغ ب 10 دنانير، حسب البيان ذاته الصادر عن وزارة النقل. وفيما يخص النقل الجماعي عن طريق سيارات الأجرة، سيتم فوترتها - حسب البيان نفسه - بثلاثة دنانير في الكيلومتر الواحد فيما يخص النقل ما بين البلديات وبين الولايات، وكذا ب 5 دنانير للكيلومتر الواحد بالنسبة للنقل الحضري، وتعتزم الوزارة الإعلان “قريبا" عن التعديل المتعلق بالأسعار التي ستطبق على نقل المسافرين لمسافة تفوق 30 كلم ما بين الولايات. وتقف هذه التعديلات في الأسعار التي أعلنت عنها وزارة النقل على مسافة كبيرة من الخدمات الرديئة المقدمة لفائدة الزبائن في مجال النقل الحضري للمسافرين والنقل عن طريق سيارات الأجرة موضوع الزيادات، فضلا عن كون هذه الزيادات قد تمت دون تضمينها في قانون المالية لسنة 2013 الذي وقع عليه الرئيس بوتفليقة، مؤخرا. وإذا جئنا لمسألة مستوى الخدمات الذي يقدمه الناقلون الحضريون وأصحاب سيارات الأجرة، فإن المسألة تطرح نفسها بقوة على اعتبار أن مستوى هذه الخدمات لا يزال رديئا جدا ولا يرقى حتى إلى ربع الأسعار المطبقة في الميدان، وتبدو هذه الأسعار الجديدة التي أعلنت عنها وزارة النقل وكأنها جاءت لمساعدة الناقلين أنفسهم من أجل التحكم أكثر في التكاليف، لكن هؤلاء الناقلين قد بادروا بأنفسهم، منذ مدة، برفع هذه الأسعار من جانب واحد ومنذ مدة طويلة نسبيا، وهو أمر كان مطبقا مثلا من جانب هؤلاء الناقلين ضمن محور الجزئر العاصمة - البليدة، وبنفس تركيبة الأسعار التي أعلنت عنها الوزارة منذ يومين فقط. ويعتبر قطاع النقل الحضري للمسافرين في المدن الجزائرية قطاعا “غارقا في الفوضى" بامتياز، وهناك عدة مظاهر فرضت نفسها على الجزائريين في هذا الإطار وإلى درجة أنها أصبحت جزءا من الواقع اليومي الذي يصعب تغييره. ومن هذه المظاهر مثلا قدم الحافلات التي يستعملها الكثير من الناقلين مع كل ما يطرحه ذلك من تحديات السلامة على المسافرين. وبغض النظر عن هذا العامل الحيوي، فإن هؤلاء الناقلين لا يتورعون أيضا في نقل أعداد كبيرة من المسافرين داخل الحافلة الواحدة، وعلى نحو يتجاوز بكثير عدد المقاعد المتوفرة، وهو أمر يسبب إزعاجا كبيرا للمسافرين ويخلق مشاكل لا تحصى بفعل الاحتكاك الذي يتطور إلى مشادات بينهم في كثير من الأحيان. ويبدو حديث وزارة النقل عن وجود سعر محدد هو 20 دينارا للتوقف للانتظار لمدة 15 دقيقة وكأنه يعالج حالة قائمة بذاتها في واقع النقل الحضري ببلادنا، لكن ما يحدث في الميدان يشير إلى أن سائقي سيارات الأجرة لم يحدث لهم وأن توقفوا من أجل انتظار مسافر لقاء سعر متواضع على اعتبار أنهم حتى وإن فعلوا ذلك فإنهم يطلبون لقاءه مبالغ مرتفعة. وعموما، فإن الأسعار العشوائية التي أصبح يطبقها الكثيرون من أصحاب سيارات الأجرة في الميدان، ودون الاعتماد على العداد، جعلت منهم في الآونة الأخيرة ناقلين ينشطون وفق الأسعار التي يرونها عم أنفسهم مناسبة وليس وفق ما تحدده وزارة النقل بهذا الخصوص. عندما تتحدث مع الناقلين الحضريين، سواء كانوا يملكون حافلات أو سيارات الأجرة، فإنهم يستصغرون إلى حد كبير الأسعار المطبقة في الميدان، ويقولون إنها لا تحقق لهم جزءا ولو يسيرا من تكاليف الاستغلال.. فهل ستفي التعديلات التي أقرتها الوزارة بالغرض أم أن هؤلاء سيستمرون في إسماع تبرماتهم للجميع؟