تميزت المعالجة الإعلامية لأزمة اختطاف الرهائن في تيغنتورين، بعين أمناس، منذ بدايتها، بشح كبير في المعلومات، وهو الأمر الذي كان في نهاية المطاف عامل تضارب في وقائع عملية الاختطاف ثم ما تلاها من العملية التي استهدفت تحرير الرهائن.. هذا التضارب ميز أساسا الجانب المتعلق بالأرقام والحصائل، لا سيما خلال اليوم الأول من احتجاز الرهائن. كانت البرقية الأولى التي نشرتها، صبيحة الأربعاء الماضي، وكالة الأنباء الجزائرية، بخصوص تنفيذ هجوم إرهابي ضد منشأة الغاز بتيقنتورين هي المادة القاعدية الأولى التي اعتمدت عليها معظم الصحف الوطنية، وحتى وسائل إعلام أجنبية، كمرحلة أولى، في تتبع وقائع الحدث من خلال مصادر أخرى، لكن المعلومات كانت جد شحيحة، ليس فقط على وسائل الإعلام الوطنية التي تعاني عادة من نقص الإعلام المؤسساتي، حيث امتد هذا الشح في المعلومات إلى وسائل الإعلام الأجنبية ومراسليها المعتمدين في الجزائر. ومن هذا الجانب هناك اعتبار مهم في الموضوع، من ناحية أن الإرهابيين الذين نفذوا العملية كانوا يهدفون، ولا سيما بعد فشلهم في أخذ الرهائن خارج منشأة الغاز وقاعدة الحياة التابعة لها بعين أمناس، إلى التأثير على المجتمع الدولي وفق ما أكده مصدر أمني تحدث إلى وكالة الأنباء الجزائرية بعد حوالي 48 ساعة من حدوث عملية احتجاز الرهائن، وهذا ما جعل السلطات الجزائرية تتحفظ ربما على إطلاق معلومات من شأنها تحقيق هذا الهدف، وذلك فضلا عن الاعتبارات الأمنية المحضة، حيث يمكن أن يشكل الكشف عن جنسيات وهويات الرهائن خطرا على حياتهم ويساعد الإرهابيين على إجراء “التصنيفات الخاصة بهم" من هذا الجانب ومن أجل استغلالها ضمن أوراق الضغط على المجتمع الدولي. وتتأكد أيضا أهمية هذه الاعتبارات الأمنية، بالنظر أيضا إلى التصريحات التي أدلى بها رؤساء ومسؤولون غربيون رفيعو المستوى، فالرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، قال بخصوص الموضوع في ندوة صحفية إنه “في الوقت الحالي لا يمكن القول إلا القليل" وهو نفس التحفظ الذي أبدته المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، فيكتوريا نولاند، بخصوص الحديث عن عدد وهويات الرهائن الأمريكيين الذين شملتهم عملية الاختطاف. وخلال اليوم الأول من أزمة اختطاف الرهائن، الأربعاء الماضي، كان البيان الذي أصدرته وزارة الداخلية والجماعات المحلية، وكذا بعض المعلومات التي أصدرها مراسلو وكالة الأنباء الجزائرية من إليزي، هي المادة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها بخصوص الهجوم الإرهابي وتداعياته بخصوص اختطاف الرهائن، ولم يتم تبديد “الصمت الحكومي" بخصوص الأزمة كثيرا، من خلال تصريحات وزير الإتصال محمد السعيد للتليفزيون الجزائري، خلال اليوم الموالي، حيث أعطى الوزير بعض المعلومات، الخميس الماضي، ولكنه لم يعط الكثير من التفاصيل المهمة مثل عدد الإرهابيين الذين تم القضاء عليهم وجنسياتهم على وجه التحديد، بالإضافة إلى عدد الرهائن وجنسياتهم. ولم تكن الحصيلة أكثر دقة سوى في اليوم الثالث من الأزمة، الجمعة الماضي، عندما تحدثت مصادر أمنية، لم تكشف عن هويتها إلى الوكالة الجزائرية الرسمية دائما، عن تحرير 573 جزائري وقرابة 100، من ضمن 132 رهينة أجنبية كانت محتجزة من قبل الإرهابيين، وهي الحصيلة التي اعتمدت عليها معظم وسائل الإعلام الوطنية والدولية مثلما اعتمدت على الحصيلة التي أشارت إلى القضاء على 18 إرهابيا خلال المرحلة الأولى من عملية تحرير الرهائن، ومن ثم توالت المعلومات عما حدث ليلة الجمعة إلى السبت، ولا سيما إعدام الرهائن السبعة المتبقين على أيدي خاطفيهم بعدما تحصنوا في إحدى زوايا منشأة الغاز في تيغنتورين. هناك عدة ملاحظات ترتبط بالجانب الإعلامي لأزمة اختطاف الرهائن بعين أمناس، أولاها تتعلق بعدم ثبات التصريحات الحكومية وتصريحات المسؤولين الأمنيين على وتيرة واحدة طيلة أيام الأزمة، حيث سجل شح كبير في المعلومات لم يتبدد، قليلا، سوى خلال اليوم الثالث من الأزمة، الجمعة الماضي، أما ثاني هذه الملاحظات فمرتبطة بالعجز الواضح الذي أبدته وسائل الإعلام الأجنبية الثقيلة، على غير عادتها، في التعامل مع وقائع الأزمة، أما ثالث هذه الملاحظات فيرتبط باعتماد عدد منها، لا سيما وكالة أنباء نواكشط الموريتانية، على المعلومات وتصريحات قدمها إرهابيون وهو ما يؤشر على ديكور إعلامي مغاير لما كان يحدث في السنوات الماضية، خاصة في منطقة المغرب العربي ومنطقة الساحل عموما، خصوصا أن الحرب في مالي لا تزال مستمرة وتداعياتها المستقبلية تحبس أنفاس الجميع.