جلس الفنان طيب طيبي، سهرة الثلاثاء الماضي، على كرسي التكريم بقاعة ابن زيدون برياض الفتح، واسترجع مع الحضور ربيع عطائه الفني، في مجال الأغنية الوهرانية، رفقة أسماء كبيرة من قامة أحمد وهبي، كما كان مؤلفا وعازفا ومؤديا موهوبا. يرى مدير الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، المسؤول على برنامج التكريمات الذي اطلقته وزارة الثقافة في السنة الأخيرة، أن هذه العملية تكلف الديوان مصاريف معتبرة، بالنظر إلى عملية تسجيل وجمع كل أغاني المكرمين وإنجاز كتاب صغير حول مسيرتهم وإنتاجهم الفني “صندوق الأغاني الذي ننجزه على شرف المكرمين يعد، في حد ذاته، قيمة معنوية مادية لا يستهان بها"، على حد تعبير المدير العام، الذي حدد قيمة الظرف المالي المسلم للفنان طيب طيبي “ب 700 ألف دينار جزائري، كمساهمة رمزية من الدولة واعتراف معنوي بدوره في الريادة الثقافية". أصوات متنوعة، أدت طيلة السهرة باقة من أغاني طيبي، عزفتها فرقة “الجوهرة" بقيادة باي بكاي. واكتشف الجمهور حلاوة صوت إناس الهبري في “اعلاش اعلاش" و«اللغة العربية"، وقبلها أثبت صابر الهواري حيويته فوق الخشبة عند آداء “وردة وابهاها" و«كي نتفكر ليام"، أما هواري ولهاصي، فوقف كعادته بصوته الرخيم، مؤديا جميلا ورزينا فوق المسرح. السهرة كانت مناسبة أيضا لصعود المغنية “جهيدة" ثم هواري بن شنات، وكلاهما يعتبران من تلاميذ طيبي. من جهته، تابع الفنان طيب طيبي، مجريات الحفل الفني بعيون اتعبتها 86 سنة من الحياة، والعمل في مجال الصيدلة والفن في الوقت نفسه. كان خبيرا في تأليف المواد، ليصنع منها دواء للمرضى، مثلما كان موهوبا في تأليف أغاني تحاكي أحلام الحب والعشق، وتدعو للسلم والمحبة، وتحفز على العلم والتعلم. كان طيبي، صوتا من أصوات الأغنية الوهرانية في زمنها الذهبي، ينفجر صحة وحيوية، وهو يؤدي ابداعاته أو يشرف على جوقه، متابعا ألحانه، التي أداها رفيقه وصديقه أحمد وهبي وأشهرها “ما طول دي الليل" و«وهران" التي أصبحت فيما بعد علامة مسجلة تروي المدينة الباهية. عندما تحدث عمي الطيب عن الماضي، تذكر في كلمات مقتضبة صباح الصغيرة، صليحة الصغيرة، إلى جانب سعاد بوعلي وهواري بن شنات وصوريا عبادلية ومليكة مداح وجهيدة وآخرين، شكلوا في وقت ما، قاعدة قوية للأغنية الوهرانية الحضرية، قبل أن تجرفها موجة الراي نهائيا، وترميها إلى شطوط التيه واللامبالاة. ولد طيبي في 10 ماي 1927، بولاية تيارت، بدأ العزف في الرابعة عشر من عمره على الآرمونيكا ثم القيثارة، قبل أن يعشق الكمان ويجعله رفيقه الدائم. في 1945 انشأ رفقة مختار سويح، فليتي قويدر، طياب دحو، بنودة وحميدو اوركسترا موسيقية سماها “الشبيبة"، ليلتحق بعدها ب “الوداد" ويعمل مع عبد القادر حاوس ومحمد فتحي وبومدين دوايدي. في 1950 التحق باوركسترا العملاق بلاوي الهواري، وفيها التقى ببوعلام رحال، سرور عيسى، ناجي نور الدين، سعيد بونيف... وغيرهم، وهي الفرقة التي أشرف عليها محي الدين بشطارزي، أحيت حفلات بالمسرح الجهوي لوهران. لم يتوقف نشاط الفنان من مرحلة لثانية، فسجل أول أغنية له بوهران سنة 57 بعنوان “هجرني الحبيب".