تحول الطريق المؤدي نحو مرتفعات تيكجدة، نهاية الأسبوع الفارط، إلى جحيم حارق رغم برودة الطقس والثلوج المتراكمة بسمك يزيد عن 30 سم. جحيم تسببت فيه عشرات الحافلات التي حاولت اقتحام الطرق الملتوية والضيقة صعودا نحو المنتجع الصغير في أعلى الجبل، غير أن تلك المحاولات انتهت بغلق كامل للطريق في وجه الوافدين أو المغادرين للمنطقة على مسافة يزيد طولها عن 10 كلم، والنتيجة إلغاء الرحلة القصيرة لمئات العائلات التي قضت أكثر من ثماني ساعات في زحمة السير، من التاسعة صباحا إلى الخامسة مساء لتعود من حيث أتت. في خضم زحمة السير والفوضى التي عمت الطريق بمختلف أنواع المركبات من دراجات نارية، سيارات سياحية، شاحنات النقل وحافلات، خاصة الأخيرة، والمخصص منها للمسافات الطويلة، التي ألغت رحلاتها اليومية ما بين الولايات واستغلت الفرصة للحصول على ربح سريع من تنظيم رحلات لفائدة الراغبين في قضاء جزء من عطلة نهاية الأسبوع بين أحضان الطبيعة التي اكتست حلة بيضاء، غير أن كل ذلك ذهب أدراج الرياح واصطدمت الأحلام بفوضى عارمة، وأكثر الزوار خيبة من عدم التمكن من قضاء اليوم في تيكجدة، هي العائلات التي قدمت من “تقرت" وعدة مناطق من الجنوب الكبير، حيث بدت الحسرة على وجوه الأطفال الذين اكتفوا بملامسة ما تبقى من الثلوج على سفوح الجبال. حافلة ذات 50 مقعدا فجرت هدوء تيكجدة عندما يقصد الزائر مرتفعات تيكجدة، ينصحه القائمون على المنتجع السياحي المتواجد هناك بتفادي الخروج في الساعات الأولى من الصباح، خاصة في فصل الشتاء، بسبب الجليد المتراكم، الذي يمكن أن يؤدي إلى حوادث مؤلمة، وهو ما جعلنا ننتظر أشعة الشمس بفارع الصبر، لأنه بمجرد انعكاسها على الأرض يبدأ الجليد بالتلاشي. كانت الساعة تشير إلى حدود التاسعة إلا الربع صباحا، لحظة تلقينا الضوء الأخضر لمغادرة المكان والعودة نحو العاصمة، سلكنا الطريق في المنحدر كثير المنعرجات وبمجرد خروجنا إلى الطريق الرئيسي حتى تفاجأنا بحافلة ضخمة عالقة في أول منعرج يطل على منتجع تيكجدة، ولم نكن نعرف أن تلك كانت مجرد بداية، خاصة بعد قدوم حافلة من الاتجاه نفسه ومحاولتها تخطي الحافلة العالقة في منعرج لا يتسع حتى لمركبتين سياحيتين، وما هي إلا ساعة من الزمن حتى بلغ الازدحام المروري إلى أسفل التل. في هذه الأجواء، تخلى بعض الزوار عن مركباتهم واختاروا مواصلة الطريق سيرا على الأقدام، حيث قرر بعض الشباب وحتى العائلات، في حدود منتصف النهار، وبعدما ضجروا من الانتظار داخل السيارات، اللجوء إلى ركن مركباتهم على حافة الطريق ومواصلة الرحلة سيرا على الأقدام، رغم أن المسافة تزيد عن الثلاثة كيلومترات، إلا أن ذلك لم يمنعهم من المغامرة، عوض الجلوس في زحمة السير تحت الشمس الحارقة، وإذا سلم أصحاب هذا القرار من تضييع كامل يومهم يراوحون أمكنتهم، إلا أن سياراتهم المصفوفة على حافة الطريق الضيق زادت الطين بلة، وخلفت استياء كبيرا لدى غيرهم من المارة، الذين اعتبروا هذا السلوك غير حضاري وعقد الوضعية أكثر، مما خلف نرفزة بين السائقين ومشادات كلامية وحتى مشاجرات بالأيدي. حتى ولايات الجنوب حاضرة بتيكجدة كان أكثر زوار تيكجدة من ولايات الوسط، ربما بحكم القرب الجغرافي، وما لاحظناه كثرة لوحات الترقيم الحاملة لترقيم العاصمة تليها مباشرة لوحات ترقيم ولايات البويرة، بومرداس وبرج بوعريريج، غير أن ذلك لم يمنع من وجود زوار من ولايات أخرى، حتى من ولايات الجنوب الجزائري وخاصة ولاية ورڤلة، وبالتحديد تقرت التي تبعد أزيد من 500 كلم عن ولاية البويرة، لذلك رفض الزوار القادمين منها “الوصول إلى البئر دون الشرب منه" كما يقال، حيث أكد لنا رب إحدى العائلات، أنه اضطر إلى إتمام الطريق مشيا على الأقدام نزولا عند الرغبة الملحة لأبنائه الذين لم يسبق لهم رؤية الثلج سوى عبر جهاز التلفزيون والصور المنشورة عبر الفايسبوك، حسبه، وأضاف إنه قطع منذ أن توقفت الحافلة إلى مكان تواجد الثلوج أزيد من 5 كلم مشيا على الأقدام، وهي مسافة قال إنه قطعها في ظرف زمني زاد عن الساعتين. في حدود الرابعة مساء، التقينا بزائر من جنسية أردنية، وهو شاب يتقن الدارجة الجزائرية لدرجة أنك لا تشك في أنه أجنبي، أكد لنا أن الفضول وكثرة الحديث عن مرتفعات تيكجدة وجمالها الخلاب دفعاه رفقة أصدقائه إلى التنقل من العاصمة نحوها، غير أنه اصطدم بزحمة مرورية خانقة، ما جعله يقول لنا “إنها المرة الأولى والأخيرة". تسعيرة خاصة بالنقل نحو تيكجدة في نهاية الأسبوع تفنن أصحاب الحافلات في المضاربة بتسعيرة نقل المتوجهين نحو تيكجدة لقضاء العطلة الأسبوعية، حيث حولت أغلب الحافلات التي صادفناها هناك وجهتها الأصلية، في زحمة السير كانا صاحبا حافلتين يتبادلان أطراف الحديث حول الربح الذي حققاه، حيث أكد الأول أنه حدد التذكرة الواحدة ب 500 دج، فيما رد الثاني أنه قبض المبلغ إجماليا، وهو 16 ألف دج. رقم النجدة يجيب على الاتصالات لكن الدرك غائب حاولت رفقة عدد من الصحفيين الاتصال برقم النجدة للدرك الوطني، الذي أثبت فعلا نجاعته وساهم في حل العديد من المشاكل التي يتخبط فيها المواطن في مواضع مختلفة، غير أن الأمر لم يفلح هذه المرة، حيث باءت محاولاتنا ومحاولات الزوار بالاستنجاد بالدرك الوطني لحل أزمة الازدحام تلك، بالفشل، لأنه في كل اتصال هاتفي يؤكد لنا الدركي أنه تم تبليغ فرقة بمنطقة الأصنام بالأمر وأنها في الطريق، لكن لم نر، حتى الساعة السادسة مساء، أي سيارة للدرك الوطني.