لست أدري لماذا أجد نفسي في كل مرّة أتحدث لإبراهيم قرصاص في الهاتف أو عبر الأنترنات ، فيتحدث ويضحك، و قليلا ما يغضب، وبصراحة لم أعرف من المثقفين من جيله أكثر منه تدخينا لسيجارة القولواز ولا أفضل منه في تنظيم وقته في ممارسة رياضة كمّال الأجسام ، يتحدث إليك عن المدرب الوطني رابح سعدان كما يسترسل في اقتناعه بان شعراء أمريكا متميّزون ، أمنيته أن يتأهل الفريق الوطني إلى كأس العالم وأن يفوز أديب جزائري بجائزة نوبل للآداب· أنت كاتب مثير للجدل بسبب مواقفك المعلنة تجاه الكتابة والكتّاب، هل ما يزال إبراهيم على مواقفه ؟ وما الذي يدفعني لتغيير رؤيتي للأمور ، أنا لا أبحث عن قشور الشهرة و لا ألهث وراء السراب ، كل ما أعبّر عنه هو من جوهر إيماني بالحق والخير والجمال الحقيقي ، لا أحب أن أرى عبث العابثين وأصمت ، مازلت أقول ما قاله أسلافي - ما يبقى في الواد غير أحجاره - ، لا أنزعج أيضا من كل من يخالفني ، ربّما توجد ملائكة في حانة الشياطين ، من يدري · إلى أي مدى تقلقك فوضى الساحة الإعلامية والثقافية اليوم؟ إلى حد النرفزة، بعد سنة 1988 كنت من المبتهجين بالتعددية الإعلامية وحرية التعبير لطيبة أحلامي وحسن نيتي في الجيل الذي أنتمي إليه ، كنت سعيدا حقا بظهور عناوين صحفية مستقلة وكان يشرف عليها رجال كانت رؤاهم جيّدة وناضجة وقد نجحت بالفعل هذه التجربة كمكسب ، لكن مع مرور السنوات ، خاصة سنوات الإرهاب الأعمى ، ثم بعد هذا ، أي في هذه المرحلة ، حيث نعيش انحلال الأخلاق وتفشيها المرعب ، عرفت أن الصحافة لم تنضج حقا بما يكفي لتلعب دورها في التنوير و الرّقي ، أصبحنا نقرأ في الصحافة الجريمة الأخلاقية جنبا إلى جنب مواقيت الصلاة وأحاديث النبي محمد عليه الصلاة والسلام وانعكس هذا على الأقسام الثقافية لأغلب الصحف ، لرغبة الكثير في الربح السريع وكسب ثقافة الهمبورغر وأصبح لا يهم أن يرأس الأقسام الثقافية مبدعون مجتهدون وكتّاب منتجون للمعرفة الثقافية مثلما كان الأمر في السبعينيات والثمانينيات ، أنا التحقت بالنشر في الصفحات الثقافية على يد مبدعين احتضنوا جيلي الذي يتنكر لأغلبهم اليوم ، من سبقنا للإبداع آنذاك كان يرحّب برسائلنا كجيل جديد وينشر لمن استوفت في محاولاته شروط الكتابة الإبداعية ، في الشعر كما في القصة ، لم يكن النشر في الصفحات الثقافية في بداية التجربة بالجملة كما هو اليوم ، لم يكن بالمحاباة والوساطات، رؤساء الأقسام الثقافية كانوا من الأسماء التي أغرقت الساحة بالمؤلفات والمقالات الثقافية والآراء الرصينة ، لم تكن لذلك الجيل، رغم عيوبه، أية حيلة أو زور أو خبث كما هي في الجيل الذي ظهر في عشرية الثمانينيات والتسعينيات والآن ، جيل يتنكّر بسرعة لمن بادره بالخير، لاحظ أن فكرة صراع الأجيال اختلقها جيلنا، لأنه جيل انبهر بشكل فوضوي بالنظريات الغربية وطروحات الحداثة، دون أن يمتلك رصيد كافي من المعرفة التحليلية للأشياء، جيلنا للأسف هو جيل المسخ الثقافي ،جيل يعاني حمل ركام من العقد النفسية، مع بعض الاستثناءات الواعية طبعا · ما موقف إبراهيم من الملاحق الأدبية في الصحف اليومية التي بدأت في العودة للمشهد بعد أن افتقدها القارئ خلال السنوات الأخيرة؟ أطلب فقط من الضمائر المسؤولة على الصحف اليومية أن تولي ملاحقها الإهتمام المباشر وأن تعمل على رسكلة من يقع اختيارها عليه لإدارة أي ملحق ثقافي أو أدبي، من غير المقبول أن يشرف على الملحق الثقافي أسماء نكرة، ليس لديها منتوجات مشهودة وحضورا واقعيا في المشهد الثقافي، لأن ترقية الخطاب الاعلامي الثقافي أكثر من حيوي في هذا العصر الذي كثر فيه التكالب والتهافت على حساب الأهداف الثقافية السامية، - وحتى يفهم الجميع أنا أتكلم عن الإحترافية الفكرية ونضج النفوس - ، لا حظي أن في بداية التجربة التعددية كانت النفوس متحررة ولدى أصحابها أفق واسع وصدر رحب ، اليوم الضيق في القلوب ولا أحد يقبل ملاحظة من زميله في الهم الثقافي ، إذا أشرفت أنا إبراهيم قرصاص على إدارة ملحق ثقافي سأغلق في وجهك الباب، لسبب نفسي، هو أنني أملك الحقيقة وأنت لا تملك شيئا وهذا ما يحدث الآن ، ببساطة لأن جيلي ربّما مظلوم أو غير مؤهّل للنهضة الثقافية التي ضحى من أجلها جيل كاتب ياسين وبن هدوقة ، نحتاج إلى وقت حتى ننضج · بمجرّد انطفاء نيران الصراع بين مثقف وآخر حتى تلتهب مرّة أخرى في هذا الموقف أو ذاك، إلى ماذا يعود ذلك ؟ يعود إلى خلطنا بين النقاش الفكري المجرّد من الأهواء وبين حساسياتنا الشخصية، بين أطماعنا في السلطة وبين تطاولنا عليها، هذه المسألة عقلية لا تجدها إلا عندنا، لأننا نعاني من أزمة غيبوبة عن الوعي الحضاري والأخلاق النبيلة، ماذا تنتظر من شخص لا يبادلك الإحترام، لأنك تختلف معه في رؤيته للأشياء، ، كل شخص يريد أن يكون هو البطل ، وفي الواقع كل شيء ينهار من حولنا ، لماذا يتصارع المثقفون ، بل على ماذا يتصارعون ، الجزائر ليست في حاجة إلى صراع مثقفيها بقدر ما هي في حاجة إلى وعي مثقفيها بتحديات العصر ومتطلبات المجتمع ، الله يهدي الجميع مؤمنين ومتملحدين· حدّثتني عن انتهائك من كتابة رواية (عزّوز الكومباتون ) ولمن لا يعرف هذه الشخصية فهي شخصية واقعية حقيقية عاشت بين فرنسا ومدينة عنابة ومدينة تبسة وقد فارق عزّوز الحياة مؤخرا، حدّثني عن فكرته ( عزّوز الكومباتون )، لا أخفيك أنني انتظرت سنوات لأكتب عن هذه الشخصية عالية التأثير والقوة في مجتمعها المحلي، ربما عزّوز شخصية شهيرة على أكثر من صعيد ، فقد صنع الأحداث قبل وفاته ، تحدّثت عنه في الرواية كما هو بالضبط وسأعرضها على دور النشر في الجزائر وفي البلدان العربية للنشر · بحوزتك مجموعتين شعريتين جديدتين قيد الطبع في الجزائر هما على ما أذكر ديوانك الشعري الرابع ( رسالة عاجلة إلى مولاي هارون الرشيد) ومجموعة قصصية اسمها ( التبرّع بالمخ )، أين وصل المشروعان؟ هما بحوزة دار أرتيستيك لطبعهما في إطار مشروع رئيس الجمهورية لسنة 2008 القاضي بطبع 1000 كتاب ، لكن يبدو أن زوبعة اختيار خمسة عناوين من كل ناشر قد تؤجّل المشروعين ، لم أتلقّ جديدا بهذا الموضوع ، أرجو أن أسمع خيرا · أمنية إبراهيم قرصاص؟ أرجو من عناصر المنتخب الوطني رفع التحدي والصعود إلى مونديال جوهانسبورغ، أتمنى أن يحققوا لنا هذه الأمنية، التي عجز عنها السياسيون والمثقفون، ممّن لطخوا السمعة بخصوماتهم و تكالبهم على المكاسب، كما أتمنى أن ينال روائي أو شاعر جزائري ذات يوم جائزة نوبل للآداب·